كما العادة، و كلما احتاجت الدولة إلى موارد مالية جديدة، اتجهت نحو الطبقة الوسطى المثقلة أصلا بالنفقات و الديون و المعصورة بشتى أصناف الضرائب المباشرة و غير المباشرة. مناسبة هذا الكلام هو مقترح فرض ضريبة تضامنية جديدة قدرها 1,5% على المداخيل التي تفوق 10.000 درهم شهريا، و التي وردت في مشروع قانون المالية 2021.
صحيح أن مستوى عجز الميزانية سيبلغ مستويات قياسية نتيجة الأزمة الاقتصادية، و لكن لماذا لا يتم إسهام أغنياء البلد في مجهود إضافي عبر سن ضريبة على الثروة، و ضريبة على الإرث مثلا؟ و لماذا لا أحد يسعى إلى ابتكارات جبائية تسمح بتغريم المتهربين من الضرائب (و ما أكثرهم) و الاستفادة من تجارب دولية أبانت عن نجاعتها. و لنأخذ كمثال، تجربة فريدة قامت بها كينيا منذ سنة أجبرت مكدسي الأموال في المنازل على الخروج من جحورهم. فقد قررت الحكومة الكينية في يونيو 2019 تغيير الأوراق البنكية من فئة 1000 شيلينغ (100 درهم تقريبا)، و إعطاء مهلة 4 أشهر لتغييرها في الأبناك، و اعتبار الأوراق المالية التي لم يتم تغييرها بعد هذا الأجل، باللاغية. المستهدفون بهذا القرار ليسو المواطنين البسطاء بطبيعة الحال، و لكن من يكدس الأموال في منزله، بعيدا عن أعين إدارة الضرائب أو القضاء.
و تقتضي القوانين هناك بتصريح الأبناك لكل عمليات دفع أموال التي تفوق مبلغا معينا للتحقق من مصدر الأموال و من أداء صاحبها للضرائب. و حققت هذه العملية نجاحا كبيرا مكن من تغيير 96% من الأوراق المالية في ظرف 4 أشهر و تحصيل موارد جديدة للدولة نتيجة ضبط عدد كبير من المتهربين من الضرائب. في المغرب، وصل حجم الأوراق المالية المتداولة مبلغ 300 مليار درهما في أواخر شهر غشت 2020، بزيادة 25% منذ نهاية سنة 2019! زيادة بهذا الحجم تدل على شيء واحد : إخراج الأموال من الأبناك بغية تكديسها و ترويجها بعيدا عن أعين إدارة الضرائب. فمتى ستلجأ حكومتنا الموقرة إلى سبيل آخر لتحصيل الضرائب غير جيوب الطبقة المتوسطة؟
*مستشار جماعي عن فيدرالية اليسار الديمقراطي
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...