عبد العالي بن مبارك بطل
اعترف الإنسان بأهمية المعرفة والتعلم منذ العصور القديمة. فقد كتب أفلاطون: “إذا أهمل إنسان التعليم، فإنه يمشي أعرجا حتى نهاية حياته”. كما نجد ان الكتب السماوية ومنها القران الكريم حثت على التعليم ودوره ” قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) الإسراء الآية 107 . إضافة إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يحث على طلب العلم ويعجب بهِ، فيقول: “مَن سلك طريقاً يطلب علماً سهل الله لهُ طريقاً إلى الجنة”.
فالتعليم هو أحد أهم العناصر الأساسية للتنمية، حيث لا تستطيع أي دولة تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة دون أن تقوم بالاستثمار المستدام في الموارد البشرية. فمما لا شك فيه أن التعليم يرفع من إنتاجية الأفراد ويساهم في رفع مستوى الإبداع لديهم، والذي بدوره يعزز ويشجع ريادة الأعمال والتقدم التكنولوجي. بالإضافة لذلك، فالتعليم يلعب دورًا هامًا في تأمين التقدم الاقتصادي والاجتماعي وتحسين توزيع الدخل، كما انه يعد حقا من حقوق الإنسان الأساسية لتحقيق التنمية في الأفراد والمجتمعات والدول.
فبالتعليم تستطيع الدول كسر سلاسل الفقر ومحاربة الأمراض والمجاعات لأجيال قادمة، بالإضافة إلى تطوير النمو الاقتصادي وبناء السلام، وهي جميعًا من أهداف التنمية الأساسية، حيث يساعد التعليم ويساهم بجزء في تحقيقها، إضافة إلى انه يعد استثمارا قويا و ناجحا وثابتا مقارنة بالاستثمارات الأخرى وهذا ما أبرزه أهم المفكرين والحائزين على جائزة نوبل، نذكر منهم هيلموت دبليو شولتز( Helmut W. Schulz ) حيث اعتبر أن الاستثمار في التعليم يفسر عملية النمو، كما نجد أن جاري بيكر (Gary Becker) والذي اعتبر نظرية رأس المال البشري باختصار تفترض أن الاستثمار في التعليم لديه مردود من حيث ارتفاع الأجور ، وهذا ما نلاحظه في الوقت الحالي حيث ان العلوم الحالية تدعم هذه النظريات والتقديرات التجريبية.
لذا أرى أن الدول الراغبة في تطوير نفسها للرقي للعالمية والتقدمية، هي بحاجة لحب التعليم أولا، وإلى تحسين جودة التعليم لديها والسعي للتميز، والبحث العلمي وتوفير الظروف الملائمة وتوسيع نطاق الفرص، على أساس الكفاءة والعدالة، لتحقيق النجاح.، والحد من عدم تكافؤ الفرص بفرض تعليم جاد للجميع وبأقل التكاليف، والقضاء على الذين يميلون إلى المبالغة في تقدير المنافع والتقليل من تقدير التكاليف.والحث على الاستثمار فيه بشكل كبير من خلال الأبحاث والسعي في تشجيعها وتطويرها (وهذا ما نلاحظه في كبريات الجامعات الدولية) بدل الاقتصار على القطاعات الأخرى، حيث أن الإنفاق على التعليم هو استثمار في رأس المال البشري؛ إذ أن مقياس التقدم في هذا العصر لا يعتمد على حجم ما تملكة الدول والشعوب من ثروات طبيعية بل بقدر ما يعتمد على ما تملكة من رصيد للثروة البشرية المتسلحة بالعلم، والقادرة على إنتاج المعارف، وهو ما يعرف بالثروة اللامادية للشعوب.
ولم يعد ينظر إلى العملية التعليمية على أنها خدمات اجتماعية وترفيهية، بل أصبحت استثمارا تستهدف تحسين مستوى الأفراد ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، ومن هنا أصبحت اقتصاديات التعليم كفرع من النظرية الاقتصادية جزءاً من الأمور الأساسية في مجال العلوم الاجتماعية، وقد أثرت هذه المفاهيم ولا تزال تؤثر على خيارات الحكومات في مواجهة المشاكل التي قد تواجه أسواق العمل في العالم .
وتبرز الحاجة إلى هذا العلم نتيجة التقدم الهائل في مجال تكنولوجيا المعلومات، حيث أدى ذلك إلى حدوث تغييرات جذرية واسعة في أساليب الحياة المعاصرة، وبخاصة في طبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وتعديل بعض جوانب التشريع واستحداث بعض التغييرات في النظم والمؤسسات الكبرى في المجتمعات المتقدمة.
إن رأس المال وحده لم يعد أهم مجالات تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث أصبح الإنسان المتعلم له دور كبير ومهم في زيادة الإنتاج وتحسين العملية الإنتاجية، بعدما كان يعتقد في ذلك أنه هو رأس المال والعمل فقط. وخير دليل على هذا الأبحاث والتكنولوجيات المتطورة التي تباع الآن منها تكنولوجيا محاربة وباء كورونا.
إن التعليم يمثل حقا أحد أقوى الأدوات للحد من الفقر وعدم المساواة، وهو يرسي أساسا للنمو الاقتصادي المستدام. دعونا نبدأ في الاستثمار فيه أكثر، ونسترجع الانجازات السباقة التي كانت يتمتع بها العرب في الوقت الذي كان للتعليم أهمية ومكانة كبرى لدى المجتمع.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...