المتغيرات السياسية الدولية والاقتصادية والتطورات العلمية والتكنولوجية المتلاحقة غير المنصفة في بعض الأحيان، نتج عنها وجود دول كبرى تحتل المركز أو مركز المركز، لذا وجب على المجتمع الدولي كافة الحزم في إيجاد حلول جادة ومنصفة لتتماشى والظرفية الإنسانية والاجتماعية لجميع الدول، فعلى الصعيد الدولي نجد أن نشوء منظمات وصناديق ومحاكم دولية غير منصفة وعادلة أسفرت عن أزمات و أحداث اقتصادية مريعة لبعض الدول، زد على هذه الأحداث البيئية والصحية منها ما شهده العالم عند مطلع هذا العام2020م ” فيروس كورونا كوفيد 19 “والذي لا زالت إطلالته حاضرة على الساحة الدولية. هذا من جهة، إضافة للأزمات والصراعات العربية والإفريقية (العراق سوريا وليبيا وغيرها ) والتطور العلمي والثورة التكنولوجية في مجال الاتصال ك 5G، من جهة ثانية هذه الأخيرة التي لم تكن بمعزل عن هذه التحولات الدولية نظرا للدور والإمكانات غير المسبوقة التي تلعبها داخل السوق التجارية و بالتالي جعل هذه السوق سوقا ً عالميا بالمعنى الحقيقي لهذا الوصف بكل تداعياته السلبية والايجابية . كل هذه الإشكاليات ما فتئت بعض الدول تشهدها، حتم عليها ضرورة تحسين وتطوير نموها للنهوض والرقي لمستوى الدول المسيطرة على الكيان العالمي، وهذا من خلال تحسين جودة وحكامه إدارتها ورؤيتها التنموية الشاملة المستدامة، لما لها من مضمون اقتصادي ومالي واجتماعي وسياسي، باعتبارها النهج الأكثر نجاعة لتدبير الشأن العام والمجتمعي. وذلك من خلال إعادة صياغة العلاقة بين كل المتدخلين على أساس مفهوم التعاقد، والتشارك والتوافق لتدبير السلطة والتنظيم السياسي والاجتماعي ولتعبئة الطاقات والموارد، وترشيد استثماراتها لتأمين شروط التدبير الجيد وقيادة التغيير. ولعل أبرز دليل على أهمية هذه العلاقة الوثيقة بين الحكامة الإدارية والتنمية الشاملة المستدامة هو ما تمكنت من تحقيقه بعض الدول من منجزات باهرة، رغم أنها لا تملك موارد ضخمة، ولكن بفضل إدارتها الواعية والرشيدة والمتسمة بالكفاية والنجاعة اللازمتين حيث حققت نسب نمو عالية سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو التنموي فارتقت بذلك إلى درجات سلم التطور الحضاري نذكر منها على سبيل المثال اليابان، وماليزيا وسنغافورة وكوريا، وألمانيا وسويسرا مرتكزة بالأساس على بناء نمط جديد للتدبير الجيد لمفهوم الحكامة على شتى الأصعدة والمستويات ومنها التدبير المتعلق بالإدارة وتسيير المرفق العمومي. هذا المفهوم ” الحكامة” الذي استعمل لأول مرة في القرون الوسطى عند الانجليز حيث تميز بالتعاون بين مختلف مصادر السلطة منها الكنيسة، النبلاء، التجار، الفلاحون…الخ وقد أعيد تداوله في الحقل التنموي منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي، حيث ثم استعماله من طرف البنك الدولي في عام 1989 والذي اعتبره ” أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من اجل التنمية” . وذلك تأكيدا على أن أزمة التنمية في الدول النامية والضعيفة بكل من إفريقيا وآسيا هي أزمة حكامة بالدرجة الأولى، بسبب النظم السياسية وضعف التسيير والتخطيط. و يعرفه كذلك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأنه “نسق جديد من العلاقات والمساطر والمؤسسات التي تفصل بها مصالح المجموعات والأفراد، وتمارس الحقوق والواجبات، وتفك الخلافات والنزاعات، يقوم على تذويب التراتبية وتشجيع التشارك بين المسيرين والمساهمين وحسن التنظيم وتوزيع المسؤوليات وصقل القدرات ودعم التواصل داخليا وخارجيا. وألح تصريح مجلس وزراء خارجية السوق الأوربية المشتركة مؤرخ ب 28 نوفمبر 1991، على” أهمية وأساسيات الحكم الجيد، في علاقات التعاون الجديدة بين الدول من خلال الانضمام إلى مجموعة من المبادئ العامة للحكم، سياسات رشيدة اقتصاديا واجتماعيا، شفافية حكومية، وقابلة للمحاسبة المالية، إنشاء محيط ملائم للسوق محاربة الرشوة، احترام القانون وحقوق الإنسان” . الحكامة الجيدة إذن من أهم القضايا الجوهرية التي تستدعي الاهتمام في الوقت الراهن خاصة أمام التحولات والتطورات التي لحقت بالدولة والمجتمعات في العقود الأخيرة، من خلال مجموعة من الإصلاحات التي طالت العديد من المجالات، هذه الإصلاحات التي ترمي أساسا إلى تحديث وعصرنة وتنمية الجهاز الإداري والتنموي، الذي تعتريه مجموعة من المشاكل والتي تشكل عائقا دون الرفع من جودة الخدمات وذلك لإعادة الثقة بين الحكومات والإدارة و المواطنين والرفع من مستوى أدائها ومردودها.
عبد العالي بن مبارك بطل
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...