بقلم: عبد الله بوصوف
أصبحت خرجات اليمين المتطرف الأوروبي خجولة، سواء في الإعلام الرسمي أو منصتي “فيسبوك” و”تويتر”، مقارنة مع قبل زمن كورونا، وهي خرجات فقط من أجل تأكيد الحضور على الساحة ليس إلا.
لكن حرب كورونا التي أدخلت أكثر من نصف سكان الأرض إلى منازلهم قد حرمت بذلك كبريات الشركات من اليد العاملة، خاصة في ميادين الفلاحة والصناعات الغذائية والخدمات، كما أنها ستغير من الهرم السكاني لأوروبا، وهو ما سيجعل اليمين المتطرف الأوروبي يفقد أحد أهم أوراقه السياسية والانتخابية، أي الهجرة والمهاجرين، وسيضعه ذلك في مواجهة كونفدراليات وفيدراليات أرباب العمل لمختلف القطاعات بأوروبا المحتاجة إلى اليد العاملة، بما فيها المهاجرون.
فالوضع الآن يشبه فيلم “A Day without a Mexican” (يوم بدون ميكسيكي) “للمخرج سيرجو أراو سنة 2004، حيث مزارع الطماطم والزيتون والتفاح والفراولة تحتاج إلى عمال زراعيين، وحيث قطاع السياحة والخدمات يفتقد إلى العديد من عماله في مجالات معينة، وحيث معامل التركيب الصناعي تفتقر إلى يد عاملة تقنية، وحيث دور العجزة بدون مرافقين وممرضين… وحيث… وحيث…فما بعد زمن كورونا سيفضح أطروحة اليمين المتطرف بأن المهاجر هو من يهدد ويسرق فرص شغل المواطن الأوروبي.
فمن سيجني إذن محاصيل الطماطم والفراولة وغيرها ويسكن البيوت البلاستيكية؟ ومن سيسهر على عجائز أوروبا؟ ومن سينقل البضائع ويتخذ من الشاحنات مسكنه؟ ومن؟ ومن؟
اليمين المتطرف سيخسر أكيد معركة كسر العظام مع الباطرونا الأوروبية، وستتقوى حقوق المهاجرين بمساندة النقابات العمالية والجمعيات والمنظمات الحقوقية.
وستفتح آفاق أكثر رحابة للمهاجرين في مناصب أرقى وأقوى ليس بنسب اليوم الضعيفة، بل بنسب توازي قوة المهاجرين النوعية وكفاءاتهم التقنية والعلمية والفكرية في كل دول أوروبا.
قد لا نبالغ بهذا القول، ولكن نحاول أن نقرأ الواقع بإيجابية أكثر، لذلك نتوقع أن يكون اليمين المتطرف الأوروبي أحد أكبر الخاسرين في حرب كورونا لعدم توفره على تصور واقعي لسياسات عمومية واقعية بعيدا عن الشعبوية والأخبار الزائفة.
وهو ما يعني ضرورة إعادة ترتيب أولويات مرحلة ما بعد زمن كورونا، التي تعني بدورها إعادة ترتيب أولويات الناخب الأوروبي أيضا.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...