الحلقة الثانية
امحمد الهلالي
توقفنا في الحلقة الماضية على اسباب استقالة الدكتور احمد الريسوني من رئاسة الاتحاد في صلتها بطبيعة الازمة وما اذا كانت عرضية مرتبطة بالتصريحات الاخيرة، ام انها ازمة جوهرية لها ارتباط بقضايا اعمق وان الرسالة لم تقم سوى بالتعجيل بظهورها الى العلن.
وفي هذه الحلقة سنتوقف على محددات ازمة الاتحاد كما نستنتجها من حيثيات رسالة الاستقالة، وفي استحضار لشخصية الدكتور الريسوني ومنهجه وذلك على النحو التالي :
اولا : في جوهر ازمة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
بتحليل معمق لاستقالة الدكتور الريسوني وما انطوت عليه من رسائل ودلالات، يمكن الخروج بخصلاصة هامة، مفادها ان الخلاف بين الرئيس ومجلس امناء الاتحاد، هو في العمق خلاف بين منطقين وتباين بين وصل التعايش بينهما الى منتهاه.
والاستقالة، تبعا لذلك، ما هي الى افصاح عن هذه الحقيقة، وتاكيد على تعذر الجمع بين اسلوبين في التدبير داخل قيادة واحدة، وقد حان اوان التسريح باحسان على قاعدة الدلالة العامة لقوله تعالى في سورة البقرة اية 228 “فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ”. لان الاتحاد ورسالته يستحق ان يضحي احد الطرفين لتفادي ان تتحول ازمة القيادة به الى ازمة هيكلية للاتحاد او لمن ياويه ويدعمه، فكانت استقالة الريسوني بمثابة تنازل ربان السفينة لمساعده ايثارا لسلامتها وتغليبا لفرص نجاتها على الاستمرار في التدبير المزدوج والتسيبر المتشاكس المهدد لها بالغرق او بالحوادث.
بين منطقين :
كشفت المواقف والتصريحات الاخيرة والتوضيحات المضادة باسم الاتحاد عن وجود منطقين متباينين متساكنين في دفة قيادة الاتحاد .
فمن جهة يتبنى الدكتور الريسوني منطقا في القيادة يقوم على التدبير الحر والمستقل للاتحاد، وهو منطق يقوم على احترام المؤسسات والالتزام بالصلاحيات، وبموجبه لا تمارس المؤسسات العليا وصاية معطلة للمبادرات محجمة للفعاليات، ولا تتحول المؤسسات الدنيا الى جزر معزولة او كيانات موازية، تغرد خارج سرب المؤسسة وتناكفها او تنازعها .
ومن هذه الزاوية فان الاستقالة جاءت لتنهي وضعا كاد ان يحول رئيس الاتحاد المنتخب الى “مريس” مرؤوس، وتجعل منه رئيسا شكليا في العلن بينما الرئيس الفعلي يظل مستترا .
ان الدكتور الريسوني كما خبرناه لا يرضى على نفسه ان يكون قائما باعمال رئيس فعلي محجوب، او ان يمارس تدبيرا مفوضا او تسسيرا بالوكالة نيابة عن إمام مستتر في غيبة كبرى او صغرى .
فالمسؤولية الفعلية عند الريسوني بالانتخاب الحر والنزيه، والقرار بالشورى الملزم لا بالمشاورة المعلمة، والتداول والتصويت بالاغلبية والترشيح عنده ولايات محددة لا عهدة خالدة، والمرجعية عنده بالنص في المحكمات والقطعيات وبالاجتهاد في العفو والظنيات والمتشابهات، والانحياز للحق والصواب وليس للمحاور والاجندات، بلا محاباة ولا تحيزات .
هذا المنهج هو ما بدأ الريسوني يفتقده في مؤسسة الاتحاد مع تنام الشعور لديه بوجود ازدواجية في التسيير ومزاحمة على مقود التدبير وذلك حسب ما يمكن استخلاصه من قراءة معمقة لرسالة الاستقالة .
وما يعضد هذه القراءة، هو تسارع التصريحات التي تقحم الاتحاد بشكل متكرر في بعض القضايا والملفات ضدا على رغبة وقناعة رئيس الاتحاد وفي تجاوز لصلاحياته وموقعه خاصة من قبل السيد الامين العام الدكتور القرة داغي الذي تحولت معه الامانة العامة الى موقع مواز للرئاسة، وتمددت صلاحياتها الى درجة ممارسة الرقابة على الرئيس وظهوره خاصة في الاعلام الجزائري المنخرط في حملة شيطنة ضد الريسوني في صورة من يحاسبه ويخطؤه ويزكي مطالب كن يدعوهةالى الاعتذار على ما لم يقله في تبن واصح للتاويلات المغرضة لتصرحات الريسوني بشأن قضية الصحراء رغم ان الريسوني الح منذ الوهلة الاولى وفي توضيحاته اللاحقة على الطابع الشخصي لتصريحاته، وان توضيحات السيد الامين العام هي من اقحمت الاتحاد في هذه المماحكات ووضعته في قلب هذه المجادلات .
والخلاصة هي ان التباين في تقدير طبيعة وموقع السياسة من هوية الاتحاد والدور المفترض ان تؤديه هذه المؤسسة العلمائية والتضخم السياسي على حساب العلمي في اداء الاتحاد وتصريحات قيادييه، ثم المغالات في تناول بعض القضايا والفتور ازاء قضايا مماثلة، ثم الاختلاف الحاد بين منطقين تصوريين والتباين في منهجين في القيادة كل ذلك يظهر ان ازمة الاتحاد هي ازمة تتجاوز الاختلاف في تقدير موقف او في صفة اصدار تصريح، الى ان تكون ازمة هوية وازمة دور وازمة في علاقة العلم بالسياسة وفي حجم الدور السياسي للعلماء ، وهذا ما سنعمل على مزيد توضيحه في الشق الاخير من هذا المقال باذن الله.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...