هل تُقلّص الحكومة من قيمة المَعاشات لإصلاح أنظمة التّقَاعد؟

علمت “الأنباء تيفي” من مصدر تَابَع نقاش إصلاح أنظمة التقاعد، وحضر الاجتماع الأخير الذي جمع النقابات ووزيرة الاقتصاد والمالية، أن هناك توجه للنّقص من قيمة المعاشات المخصّصة للمؤمنين، وذلك كمدخل من مداخل إصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس.

وحسب المصدر ذاته، فإنه يُشَاع أن الدراسة التي أعدتها وزارة الاقتصاد والمالية منذ 2016 وتسترت على تفَاصيلها، تضم توجها للنقص من القيمة المَالية للمعاشات التي يتلقاها المُؤَمّنُون سواء في القطاعين الخاص والعمومي، مشيرا إلى أن أشواط الحوار المقبلة بخصوص هذا الملف ستبين حقيقة هذا التوجه، “فلا دخان بلا نار”، يقول المصدر.

واعتبر المصدر ذاته، أن هذا التوجه إن وجد سيكون أمرا خطيرا لا يمكن قبوله بالبات والمطلق، باعتبار أن فيه مس بالمكتسبات التي تحققت للشغيلة، مبينا أن البعد الاجتماعي والإنساني يجب أن يكون حاضرا في مقاربة الملف من خلال الرفع من المعاشات وليس التفكير في النقص منها، فالمتقاعدين لم يحصلوا على الزيادات منذ سنين، إذ لم يستفد منها القطاع الخاص مثلا منذ 2007.

وأوضح المصدر ذاته، أن قيمة المعاشات في القطاع الخاص أصلا قليلة، فهناك من يتقاضى 500 و600 درهم، فماذا ستنقص منه؟، مشددا على انه، وباعتباره واحدا من المحاورين في اجتماعات الحكومة مع التمثيليات الخاصة داخل لجنة إصلاح أنظمة التقاعد، فـ “يمكن أن نصل للتوافق في السن والاقتطاعات، ولكن لا يمكن قبول المساس بالمكتسبات المرتبطة بقيمة المعاشات، فهي خط احمر، بل مطلبنا هو الرفع منها وتعميمها”.

وبيّن المتحدث ذاته، أنه، وفي القطاع الخاص مثلا يصل المعدل العام للمعاشات لـ 1800 درهم، لان الحد الأعلى للمعاشات في القطاع الخاص هو 4800، بل هناك أرامل يأخذن فقط 500 درهم، وبالتالي “فهناك اشكال كبير وفظيع سواء في القطاع الخاص وأيضا العمومي”.

يذكر أن صناديق التّقاعد تعرضت لعجز كبير برز منذ عقد من الزّمن، لتتفاقم بعد ذلك وتتحوّل إلى أزمة في سنة 2015 حين سجّل نظام المعاشات المدنية أول عجز أدى بحكومة عبد الإله بن كيران إلى رفع سن الإحالة على التقاعد ليصل إلى 63 سنة، حيث كانت التّوقعات آنذاك تشير إلى نفاذ احتياطاته في سنة 2028.

نفس التّوقعات، أكدت أنّ النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد سيسجل بدوره أول عجز له العام المقبل، وستنفذ احتياطاته عام 2044، كما تفيد التوقعات ذاتها، بأن الصّندوق الوطني للضمان الاجتماعي سيسجل أول عجز اجمالي عام 2027 مع نفاذ احتياطاته في 2040.

في هذا السّياق، عقدت لجنة إصلاح أنظمة التّقاعد، التي تضم الحكومة والنقابات واتحاد أرباب العمل، أول اجتماع لها الأربعاء الماضي، انتهى بالاتفاق على تحديد أجل ستة أشهر للوصول إلى حلول لمواجهة أزمة الصّناديق.

وفي هذا الصدد، اكدت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، أن انشاء اللجنة نابع من إرادة الحكومة والنقابات والجمعيات المعنية للمشغلين إطلاق حوار ما بين مختلف الشركاء بهدف العمل على وضع منظومة تقاعد من قطبين عمومي وخاص، وفقا للتوصيات المنبثقة عن اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد سنة 2013.

العرض الأولي الذي قدمته الحكومة، وحصلت “الأنباء تيفي” على نسخة منه، بُني على دراسة بدأ إعدادها من طرف الحكومة منذ سنة 2016، وهي الدّراسة التي تتجه لفرض زيادة جديدة في سّن الإحالة على التقاعد ليصل إلى 65 سنة، مع الرّفع مجددا من قيمة المساهمات من طرف المُؤَمّنين.

وحسب الخطوط العريضة التي قدمتها الحكومة في عرضها، فيهدف هذا الإصلاح إلى ضَمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، وإرساء العدالة والحفاظ على الحقوق المكتسبة والاحتياطات نظرا لأهميتها في تمويل الاقتصاد، مع تعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد، ومنه الحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة.

ومن أجل التوفيق بين كل هذه الأهداف المتناقضة أحيانا، يقترح مكتب الدّراسات اعتماد منظومة تقاعد يعتمد على سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص، وذلك لتسهيل المرور مستقبلا نحو نظام أساسي موحد، مع تقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي.

وسيعمل النظام الجديد، حسب التقرير الذي عرضته وزيرة الاقتصاد والمالية، على تجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية، وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى 10 سنوات القادمة، كما سيتم الرّفع من سن التقاعد الى 65 سنة، مع الرّفع من نسب الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص.