سئلت يوما عن أهم أمنية لي في الحياة، وبدون تردد أجبت وعلى محياي ابتسامة عريضة: أن يذكرني الناس حين أغادر هذه الدنيا بكل خير، وأن يكون لي أثر جميل وحنان يترحمون به علي. قد يعتقد البعض أن هذه الأمنية هي نوع من المبالغة أو التشاؤم، لكنها في الحقيقة كانت إجابة نابعة من صدق وقناعة داخلية. فكم هو جميل حين يرحل الشخص عن هذه الدنيا، ويبقى طيب أثره وروحه العطرة وحنانه غير المنقطع يعطر مسيرة رحيله، تاركا خلفه أجمل الذكريات واللحظات، لدرجة أن قلوبنا قد تتجرع المر لفراقه، وتصيبها أوجاع لا تهدأ ولو بمرور الأيام، والسبب ببساطة هو أن صحبته كانت رائعة وأن رحيله المفاجئ وبلا وداع ومقدمات وأسباب مقنعة، رحيلا مرا وصادما. فلا شك أنه مهما بلغنا من العمر عتيا سنرحل، ومهما ملكنا من كنوز الدنيا سنغادرها، ومهما احتمينا في بروج وحصون سيدركنا قدر الموت، لأننا نؤمن بأن الموت حق وقدر وأن لكل أجل كتابا، ولكل إنسان نهاية. هذا ما تعلمناه من أجيالنا السابقة ومناهجنا السماوية، بأن الموت هو قدرٌ إلهيّ مكتوب لا مفر منه، إضافة إلى أنه حين اكتملت ونضجت عقولنا الفكرية تفهّمنا وأدركنا بأن الدنيا هي فقط مزرعة للآخرة فما زرعناه فيها من قيم وأخلاق وسلوكيات وأعمال صالحة ونبيلة وحنونة سنحصده لا محالة في آخرتنا. لكن تبقي هناك أسئلة محيرة تفرض نفسها علينا وهي: هل يعقل أن يغادرنا الطيبون والحنونون لأن عالمنا اليوم لا يلائم بقاءهم معنا مطولا؟ ولماذا تهوى أرواح الطيبين الصعود إلى بارئها سريعا في غفلة من الزمان وبدون سابق إنذار؟ وهل عالمنا الدنيوي لا يحسن احتضان الطيبين الحنونين؟ وهل لصفاء الأرواح الطيبة دور في البحث السريع عن حياة خالية من الخبث الذي اصبحنا نعيشه، حياة يملأها النقاء والحنان والصفاء والنعيم من كل جانب؟. إخواني إنني بهذه الأسئلة لا أعنى بتاتا أنني أرجح سبب خروج الأرواح لشيء آخر غير القدر والعياد بالله. بل على العكس من ذلك، أنني فقط بهذه الأسئلة أردت الحصول على أجوبة شافية لخبايا حيرتني، لربما من خلالها قد أستطيع فهم أو ربما أقلل من الآلام والجراح التي أتلقاها بسبب فراق الطيبين الحنونين على قلوبنا. فطالما لم نستطع ايجاد أجوبة تخفف روع الفراق وكل هذه الأسئلة المحيرة، يبقى السؤال قائما، ألا يرحل السيئون؟ بالتأكيد سيرحلون لكننا لا نشعر برحيلهم كما نشعر برحيل الطيبين، أو ربما لأننا لا نكترث لرحيلهم كما نكترث لرحيل الحنونين! لذا وجب علينا بين الفينة والأخرى أن نقف وقفة تأمل، ننظر فيها لمن حولنا، نبحث من خلالها عن الطيبين والحنونين الذين لا زالوا حولنا أحياء يمشون على الأرض، ونتمسك بهم، ونصارحهم ونحيطهم بما يستحقون من محبة وحنان! كما يجب علينا أن نتشبه بهم، لكي نصبح طيبين وحنانين وصادقين مثلهم، ليتذكرنا الناس كما نتذكرهم في كل موقف وفي كل لحظة. فلهم منا جميعا الرحمة، ولنا في ذكراهم أسوة حسنة، ولنكن أهلاً للخير والذكر العطر اشخاص كالزجاج لا نخدش بكلماتنا شعور الأخرين، بحيث يجدوننا حينا يحتاجون إلينا كالظل في المطر، ونمر أمامهم كمرور الكرام الحنانين. لأن مَن حَنّ إلى غيره من الناس، أكرمه الله عند لقائه
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...