عبد العالي بن مبارك بطل
تختلف صفات المرأة فيما بينها بالعديد من الصفات التي تُميز كل منهن عن الأخرى، فهناك المرأة القوية، والمرأة المحبوبة والمرأة الحنونة، هذه الأخيرة التي غالبا ما يجمع عليها الجميع سواء الرجال والنساء والأبناء، لما تتميز به من خصال، وتمتلكه من الصفات الكاملة للمرأة، حيث أنها تعود بأثر إيجابي، على الحياة الزوجية والأسرية أو العاطفية والإنسانية، وهي موضوع مقالنا هذا، حيث أن حنانها، لا ينفذ وهو دائم، مهما طال الزمن عليه، كما أنها تكون حنونة، على جميع من حولها، (سواء كان زوجها أو أهلها أو أولادها، الذين من صلبها أو غير ذلك)، فالشعور معها يكون دافئ، ولا يمكن أن يُمل منه، لأنها تمتاز بذكاء وقلب طيب وحنون، لا أحد يستطيع تلويث، قلبها مهما حصل، لذلك فهي تغمُر من حولها بالدفء والنقاء، وهي رقيقة وحساسة وعطاؤها، لا ينتهي أبدا تسعى إلى إرضاء الآخرين، ولو كان ذلك على حسابها الخاص، كما أنها تعطي جميع من حولها دون انتظار أي مقابل منهم.
ربما قد يذهب منا البعض إلى التفكير في مرضعة النبي حليمة السعدية أو في إحدى زوجات النبي أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها ، والتي ضربت أروع الأمثلة في خدمة النبي عليه الصلاة والسلام مع ابنتيه أم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهما، فكانت ترعاهما بكلّ إخلاصٍ ووفاءٍ وإحسانٍ، ولكن لا ليست هي تلك المرأة التي نتحدث ونبحث عنها ، فالمرأة موضوع قصتنا هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشيَّة الهاشميَّة، زوجة أبو طالب عم النبي ومنصفه أمام قريش، وأم خليفة المؤمنين الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحماة فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة وجدة الحسن والحسين.
كان النبي يعيش في كنف جده عبدالمطلب حتى الثامنة من عمره وتحديدًا عندما توفي جده أنتقل لبيت عمه أبو طالب، فأحتضن هذا البيت النبي عليه الصلاة والسلام واحتضنته امرأة عظيمه وهي فاطمة بنت أسد فاعتبرته أحد أبنائها لمدة 20 عاما، بل وأكثر من ذلك، وفي بعض الروايات ذكرت أنها كانت تُحب النبي أكثر من أبنائها. تصور أن امرأة تحب طفلا أكثر من أولادها ! فعندما توفي عبدالمطلب جاء أبو طالب لفاطمة وقال لها: اعلمي أنّ هذا ابنُ أخي، وهو أعزّ عِندي من نَفسي ومالي، وإيّاكِ أن يتعرّض علَيه أحدٌ فيما يريد، فتبسّمت من قوله وقالت له :
توصيني في ولدي محمد، وإنه أحب إليّ من نفسي وأولادي؟! سبحان الله ما هذا الجواب الفوري والمقنع، فلما سمع أبو طالب جوابها فرح بذلك..
وبعدها اعتَنَت فاطمة، بالنبي صلى الله عليه وسلم عناية فائقة، وأولَتْه رعايتها وحبها، وكانت تؤثره على أولادها في المطعم والملبس لأنها كانت تقدر أنه يتيم فكانت تعطيه أشياءِ واهتماما حتى أكثر من أبنائها رضي الله عنهم، فإذا احتاج النبي أمرًا كانت تلبيه مباشرة، فنعم الأم كانت، وكانت أيضًا تغسّله بالماء وتدهن شَعره وتُرجّله وتطيبه ، وكان النبي يحبّها ولا يناديها إلاّ بـ (أمّي) لأنه لم يلاق اهتماما كهذا إلا من أمه فاطمة بنت أسد، وكانت تجمع له الطعام إذا كان خارج المنزل فإذا رجع يكون نصيبه محفوظا.ومن شدة حبها بالنبي عليه الصلاة والسلام حتى عندما تزوج السيدة خديجه دفعت إليه بفلذة كبدها ابنها عليّ بن أبي طالب ليكون في ولايته صلي الله عليه وسلم بعد زواجه من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
فكيف رد لها النبي عليه الصلاة والسلام جزءا من أفضالها؟ تشير بعض الكتب الإسلامية إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام سمى بنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة على أسم هذه المرأة العظيمة التي كان يناديها بأمي، وذلك من شدة حبهِ لها، وفي مرة من المرات أُهدي للنبي حلة من أستبرق بمعنى ثوب من الحرير فقال عليه الصلاة والسلام (اجعلها خُمرًا بين الفواطم، فشقها أربعة أخمره، خمارًا لفاطمة الزهراء، وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت حمزة بن عبدالمطلب، والرابعة قيل إنها فاطمة بنت شيبة بن عبد شمس زوج عقيل بن أبي طالب).
فكان النبيُّ صلى اللَّه عليه وسلم يزورها وينام في بيتها بعض الأحيان.. وفي نهاية السنة الرابعة من الهجرة توفت فاطمة بنت أسد فحزن النبي عليها حزنًا شديدًا ، وروى ابن عباس رضي الله عنهما: أنه لمـَّا ماتت فاطمة بنت أسد خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه وألبسها إياه واضطجع معها في قبرها.. وفي بعض الروايات أنها سمعت رسول الله يقول : يبعث الناس يوم القيامة عراة . فقالت : و سوأتاه . فقال لها صل الله عليه وسلم : إني أسأل الله أن تبعثين كاسية.
وعن أنس بن مالك رضي الله ، أنَّه قال: “لمـَّا ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: “رحِمَكِ اللهُ يا أمِّي كنْتِ أمِّي بعدَ أمِّي تجوعين وتُشْبِعيني وتَعْرَينَ وتُكْسيني وتَمْنعينَ نفسَكِ طيِّبًا وتُطْعِميني، تُريدين بذلك وجهَ اللهِ والدَّارَ الآخرةَ”، ثم أمر أن تُغسَّل ثلاثًا، فلمَّا بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفتين. ثم خلع قميصه فألبسها إيَّاه، وكفَّنها ببُرد فوقه، ثم دعا لحفر قبرها، فحفروا قبرها، فلمَّا بلغوا اللحد حفره الرسول بيده وأخرج ترابه ، فلمَّا فرغ دخل بداخله وقال صلى الله عليه وسلم: “اللهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ وَلَقِّنْهَا حُجَّتَهَا وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”, وكَبَّر عليها أربعًا، وأدخلوها اللحد”
وفي ذلك رسالةً إلى كلّ نساء عصرنا الحالي للاقتداء بفاطمة بنت اسد، من خلال الحرص على تكوين جيل من الأجيال الصاعدة و التي يمكن الافتخار بها مستقبلا من خلال تربية أبنائها سواء من كانوا من صلبها أو غير ذلك، ورعايتهم رعايةً حسنةً بكلّ حبٍ ومودةٍ، ودون كرهٍ أو شدةٍ أو بُغضٍ وتفرقة، حيث أنّهم بحاجةٍ شديدةٍ لمن
يحنو ويعطف عليهم، مع احتساب الأجر والثواب عند الله تعالى، فالله سبحانه لا يضيع أجور أعمال المحسنين في أعمالهم. ولما لا وان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يتباهى بأمثال هؤلاء النساء يوم القيامة ” تزوجوا الودود (الحنون) … فاني مباه بكم يوم القيامة”.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...