تثير العلاقة بين السياسة والدين اهتمام الباحثين والمفكرين في العالم العربي، وتصاعد هذا الاهتمام بعد الربيع العربي مع تحول الإسلاميين إلى قوة لها تأثيرها في المشهد السياسي.
وفي كتابه الجديد “السياسة والدين في المغرب.. جدلية السلطان والفرقان”، يرصد الكاتب المغربي حسن أوريد أبعاد هذه العلاقة من خلال ممارسات الدولة، وأيضا عبر خطاب وسلوك باقي الفاعلين المدنيين.
وحاول أوريد تتبع الإستراتيجيات التي اعتمدتها الدولة المغربية في مجال الدين، “استحداث التقاليد وتحديث الإسلام”، في فترة حكم الملك الحسن الثاني؛ من أجل ترسيخ شرعية السلطة ونشر منظومة معتقدات وقيم، وهي العملية التي ستستمر في ظل الملك محمد السادس، في مسار ينطبع بالاتساق، ويتميز بالجرأة.
كما يتتبع منظور الإسلاميين لهذه الإشكالية، ولمفهوم الحداثة، من خلال الحركات الإسلامية الرئيسية بالمغرب، ويتعلق الأمر بجماعة العدل والإحسان، والعدالة والتنمية، والتيارات السلفية.
وحسن أوريد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الرباط وبوردو بفرنسا، وشغل مناصب رسمية في الدولة المغربية؛ فكان أول ناطق رسمي باسم القصر الملكي، ثم مؤرخا للمملكة، ولاحقا محافظا، قبل أن يقرر التفرغ للعمل الفكري والأدبي، ومن أعماله الأدبية: الموريسكي، وسيرة حمار، وربيع قرطبة، ورواء مكة، ومن كتبه الفكرية: أفول الغرب، ومن أجل ثورة ثقافية.
كتاب “السياسة والدين في المغرب” الصادر عن المركز الثقافي العربي ليس بحثا أكاديميا، بقدر ما هو محاولة للتفكير حول الظاهرة الإسلامية من خلال تجربة المغرب.
يقول حسن أوريد في حوار مع الجزيرة نت إن الكتاب ينطلق من فكرة ناظمة عن نزوع المجتمعات نحو تمايز بين الديني والسياسي، ويوضح أن تجربة المغرب قد تكون مفيدة لدول أخرى؛ بالنظر إلى العمق التاريخي لهذا البلد، وفرادة التجربة، ولكونها جنبته الكثير من الاهتزازات التي وقعت فيها دول أخرى.
التمايز حتمية تاريخيةيعيش العالم العربي اليوم -حسب ما جاء في الكتاب- مرحلة جديدة من تاريخه في علاقته بالدين، وتقطع مع المرحلة الأولى التي اقترنت بما تسمى اليقظة العربية في بداية القرن الماضي، بالفصل بين الديني والسياسي، ومع المرحلة الثانية التي برزت عقب هزيمة مصر سنة 1967 ورُفع فيها شعار “الإسلام هو الحل”.
وتفضي إرهاصات المرحلة الثالثة إلى تمايز بين السياسي والديني، وتظهر تجلياتها في تجربة تونس والمغرب؛ باعتبارهما معبرتين عن تطور سلس بمشاركة حزبي العدالة والتنمية بالمغرب والنهضة في تونس في السلطة، حيث تأقلما مع القواعد الناظمة لها وتعايشا مع بنيات السلطة ذات التوجهات المدنية، كما تعاملا ببراغماتية مع واقع مجتمعي معقد، حسب المؤلف.
الإسلاميون والحداثةوفي علاقة الإسلاميين بالحداثة، يعتبر الكاتب أن الحركة الإسلامية هي الابن الطبيعي للحداثة الغربية، إنها تعبير عما أسماه المستشرقان والباحثان يان بوروما وأفيشاي مارغليت أزمة عسر الهضم، فالحداثة -وفق تعبيره- حين يتم ازدراؤها بسرعة تفضي إلى ردود فعل وإلى قيء وغثيان.
ويرجع أوريد لشرح هذه الفكرة الصادمة إلى السياق الذي ظهرت فيه التيارات الإسلامية منذ الحرب العالمية الأولى، ويشير إلى أن الحداثة جاءت للمجتمعات العربية بطريقة قسرية وعنيفة، لذلك ظهرت الحركات الإسلامية كرد فعل عليها، وبالتالي يخلص إلى أنها “في نحو من الأنحاء ابنة الحداثة”.
ويرصد الكتاب علاقة الإسلاميين بالحداثة من خلال جماعة العدل والإحسان، ومؤلفات منظرها ومؤسسها عبد السلام ياسين، ويبين أن أفكار ياسين هي في جوهرها تقع بين أفكار الفوج الأول الإصلاحي الذي يمثله محمد إقبال ومالك بن نبي، والفوج الثاني الثوري الذي يمثله سيد قطب وعلي شريعتي، مع تحويرات وتصويبات وإضافات.
وفي تمثله للحداثة، يرى شيخ العدل والإحسان أن الغاية هي أسلمة الحداثة وليس تحديث الإسلام، فهو لا يدعو إلى الإلقاء بنتاج الغرب برمته، لأن الغرب لا يزال مالكا العلوم والتكنولوجيا، وعلى العالم الإسلامي أن يغترف من منابعه، شريطة أن يؤسلم مكاسبه، فالحداثة التقنية والأدواتية -حسب المؤلف- شيء محايد، بل إنها “حكمة متراكمة”.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...