كشفت آمنة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن الطرد الجماعي والترحيل التعسفي، قد طال حوالي 45 ألف أسرة مغربية أي ما يناهز 350 ألف ضحية، حيث تم ترحيلهم من قبل السلطات الجزائرية نحو الحدود المغربية، شهرا واحدا بعد حدث المسيرة الخضراء.
وأكدت بوعياش، في كلمة ألقاها نيابة عنها بلغزال عبد المجيد ممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلال الندوة التي نظمتها جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر سنة 1975 بالرباط، (أكدت) على حجم الصدمة النفسية لضحايا هذا الطرد الذي كان صادما وقويا، ولازالت تداعياته متواصلة لحد الآن، وفق العديد من الشهادات والمعطيات، حيث لازال يعاني ضحاياه من التبعات، مبرزة أن الطرد الجماعي لهولاء الآلاف من المغاربة، هو بالتأكيد، خرق واضح، ليس فقط، لقيم حسن الجوار وكل الأعراف الإنسانية، بل والأكيد بلقوانين الدولية والوطنية.
وأضافت بوعياش، أن عائلات رحلت بأكملها، بما في ذلك الأطفال وكبار السن والمرضى، دون سابق إشعار واحترام لكرامتهم؛ وحسب عدد من الشهادات، فقد قامت السلطات الجزائرية بفصل الزوج عن زوجته والزوجة عن زوجها والأطفال عن أمهاتهم وآبائهم وتشتيت آلاف الأسر، معتبرة هذه النازلة مأساة حقيقية، وخلفت آلاما وندوبا وجراحا غائرة لازمت أغلبية الضحايا طيلة سنوات عدة، وما تزال تلازم من بقي قيد الحياة أو ذويهم، إذ ما يزالوا يتذكرون ويصرون على التذكر في كل مناسبة على واقعة الترحيل الإجباري أو ما يطلقون عليه “المسيرة الكحلة ” ( المسيرة السوداء) مؤكدين ومتشبثين بواجب حفظ الذاكرة وعدم النسيان.
وقالت بوعياش، في هذا الصدد: “نحن أمام ملف حقوقي بامتياز، انتهك فيه، أواخر 1975، حقوق آلاف المواطنين والمواطنات، بشكل ممنهج ومكثف، من الواضح أن هذه الانتهاكات تشكل مسا خطيرا بحياتهم وسلامتهم الجسدية واحتجاز ممتلكاتهم وحرمانهم من أبسط الظروف الإنسانية للتنقل”.
وأبرزت بوعياش، بالقول: إن “مرور ما يناهز نصف قرن على وقوع مأساة الطرد الجماعي التعسفي والترحيل الإجباري ووفاة الكثير من عاشوا أو عايشوا تلك اللحظات الأليمة من جيل الآباء و الأمهات، يهدد بضياع ذاكرتهم الجماعية، وهي فرصة لتخليد وحفظ ذكرى من رحلوا إلى دار البقاء وإعادة الاعتبار لهم، ولكنها أيضا لحظة للتفكير الجماعي – خصوصا من قبل فعاليات المجتمع المدني ذات الصلة بالقضية – في ابتكار إستراتيجية للترافع الناجع وفقا لمبادئ العدالة والإنصاف ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان واعمال السبل القانونية والقضائية والحقوقية الممكنة قصد إنصاف الضحايا وذويهم وجبر الضرر المادي والمعنوي بل وتقديم اعتذار عن ما تعرضوا له وما عانوا منه جراء هذا الطرد الجماعي”.
وأوضحت بوعياش، أن لاإنسانية الظروف والشروط الحاطة بالكرامة والتي رحلوا فيها قسرا هؤلاء الضحايا، عمق الجراح وحدة الآلام ومن التداعيات القاسية اللاحقة لترحيل على الأفراد والعائلات وعلى أوضاعهم الاجتماعية والعائلية والنفسية، عديدون هم من كان عليهم أن يبدأوا حياة جديدة ومن الصفر، وعانى الكثيرون والكثيرات منهن من صدمات نفسية جراء فقدان مصدر عيشهم أو ممتلكاتهم والمعاناة من التشتت العائلي وعدم تقبل ما جرى ولماذا جرى.
وذكرت آمنة بوعياش، أنه منذ أبريل 2010 أصبحت قضية المغاربة المرحلين قسرا من الجزائر، محل تداول ونقاش في أروقة الأمم المتحدة و عبر اللجن التعاقدية وبالخصوص اللجنة الأممية المعنية بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم والتي أقرت بجسامة الأضرار التي تعرض لها المغاربة المرحلين، وأوصت السلطات الجزائرية باتخاذ كل التدابير اللازمة لاسترداد الممتلكات (…) وتعويضهم بشكل منصف ومناسب وفقا للمادة الخامسة عشر من الاتفاقية الدولية بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم، واتخاذ التدابير اللازمة لتيسير وتسهيل تجمع المطرودين مع عائلاتهم بالجزائر.
وأشارت بوعياش، إلى أن تكثيف الجهود وتوحيد المبادرات لتحقيق مزيد من التفاعل الدولي والجهوي عبر الترافع في المنتديات الدولية، وفضلا عن الدور الريادي الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني، لا بد من الانتباه إلى الدور الهام الذي يمكن أن تسهم به مراكز البحوث والمؤسسات الجامعية عبر التوثيق والبحث لتوفير المعطيات المتعلقة بالموضوع وذلك لتمكين وتسهيل عمل وترافع كل المتدخلين المعنيين ومنحهم رؤى وإمكانيات أكبر للدفاع عن الضحايا، مضيفة بالقول “نحن على وعي بصعوبة التئام الجراح الغائرة وتصالح الذوات الممزقة والهويات التائهة مع نفسها، لذا من الضروري تدوين وتوثيق هذه الصفحات الأليمة من التاريخ الراهن للمغاربة، عبر الحفر في ذاكرة المطرودات والمطرودين وذويهم والكشف عن ظروف طردهم وما قاسوه خلال الطرد وبعده، مع التركيز على توثيق تواتر الانتهاكات وحجمها ونطاقها وضرورة مراعاة مقاربة النوع لجسامة تأثير الطرد التعسفي وما صاحبه من انتهاكات على الحقوق الإنسانية للمرأة”.
وشددت بوعياش، على ضرورة نقل الكارثة الإنسانية للتهجير القسري، للمغاربة من الجزائر عام 1975، إلى حيز المعرفة العلمية الاجتماعية والتاريخية والحقوقية الموثقة، وبذلك يتم ترميم جزء من هذه الذاكرة التي تتقاطع فيها مؤشرات ودلالات عديدة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...