يقع مزار “سَعْديا عاداتي” أو “سيدي يوسف”، في منطقة جبلية، مقابلة لحي “تِرْقاع” العتيق، والتي تبعد عن مركز مدينة الناظور بقرابة 20 كيلومترا، وهو فضاء مقدس، يحج إليه المسلمون واليهود، بشكل دوري وموسمي، لنيل البركة وتحقيق الأمنيات، كما هو مألوف لدى المغاربة، عند زيارة الأضرحة.
ويقول مجموعة من مؤرخي المنطقة، إن هذا المزار، جرى تشييده منذ أزيد من ثلاثة قرون، في حين تختلف الروايات بين المسلمين واليهود، رغم أنه يشكل رابطا مشتركا فيما بين بينهما، لنيل الخير والبركة.
وأمام غياب أي سند تاريخي يكشف الحقيقة الكاملة للمزار، ساهم هذا الفضاء التاريخي والروحي في توحيد قناعة التسامح الديني بين المسلمين واليهود، بالمنطقة، وجسد وجها من أوجه التعدد والتعايش التي تتميز به منطقة الريف والمملكة ككل.
ولعل القاصد لهذا المزار، سيرى تسامحا دينيا نادرا للغاية، حين تجد المسلمين واليهود يتبركون بشخصية تاريخية مزدوجة، وبشعائر دينية مختلفة، حيث يتناوب زوار المكان في تأدية طقوسهم الدينية، بين التبرك والدعاء لدى المسلمين، وترديد “الهَيْلُولة” وإشعال الشموع لدى اليهود.
ويقول عبد العالي الرحماني، رئيس جمعية “موشي بنميمون” بالناظور، وهو أحد معتنقي الديانة اليهودية القلائل بمنطقة الريف، إن تاريخ المزار يبقى شاهدا على ما عاشته المنطقة من تعايش.
وأبرز المتحدث أن هذا الضريح، سيظل مفتوحا أمام الجميع لحمولته الدينية السمحة، مذكرا بمرحلة تأسيس المكان، التي قال عنها إنها كانت قبل 300 سنة من الآن، حين قدم تاجر يهودي يدعى “سعدايا عاداتي” من أرض أورشليم (القدس) إلى منطقة الريف، من أجل الدعوة والإرشاد ومزاولة التجارة، واستوطن وتوفي بالريف. وبعد وفاته، تم دفنه بالمكان الذي سيصبح فيما بعد مزارا، وأدى عليه يهود مليلية، حينذاك، صلاة “كاديش”، وفقا للطقوس اليهودية، قبل أن يعمد مجموعة من اللصوص والمخربين، على نبش قبره، ظنا منهم، أن “سعديا عاداتي” مات ودُفِنَ معه ماله وذهبه الذي جناه من التجارة، لتسقط صخرة فوق قبره، وتمنع هؤلاء اللصوص من بلوغ مبتغاهم في السطو على تلك الأموال المزعومة… وهو ما فسره اليهود بأنها معجزة إلهية لا تحدث إلا مع أوليائهم الصالحين، ليتحول المكان فيما بعد إلى ضريح يقصده اليهود من كل بقاع العالم.
وخضع المكان لعدد من الإصلاحات وعمليات الترميم، من قبل اليهود، الذين يقصدونه للتعبد والتبرك، حيث شهد تعديلات في سنة 1952 وكذلك في سنة 1995 من طرف عائلة “سعديا عاداتي”، بموافقة من الملك الراحل الحسن الثاني، وسط مطالب بجعل المكان فضاء للذاكرة التاريخية للمنطقة، وشاهدا على ما عاشته وتعيشه من تعايش وتسامح بين مختلف الأديان.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...