حققت الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة، مكتسبات غير مسبوقة لصالح قضية الوحدة الترابية للمملكة ومصالحها الاستراتيجية، على رأسها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، والدعم الإسباني الصريح لمخطط الحكم الذاتي باعتباره الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء، فضلا عن الارتفاع المتواصل لعدد التمثيليات الدبلوماسية بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
لئن كانت الدبلوماسية الرسمية، بحكم اختصاصها، الأداة الرئيسية في تنفيذ أهداف السياسة الخارجية للمغرب، فإن الدبلوماسية البرلمانية تضطلع بأدوار ما فتئت تزداد أهمية وتأثيرا على مستوى خدمة مصالح المملكة والدفاع عن قضاياها العادلة في المحافل الإقليمية والدولية، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية، في انسجام تام مع العقيدة الدبلوماسية الوطنية التي حدد صاحب الجلالة الملك محمد السادس مرتكزاتها. وتتعدد أوجه مشاركة البرلمان بمجلسيه في النشاط الدبلوماسي الموازي، من خلال تكثيف الشراكات وإبرام اتفاقيات التعاون مع المجالس المماثلة، وتفعيل مجموعات الصداقة والتعاون البرلمانية وإحداث مجموعات جديدة، والتموقع داخل الاتحادات والجمعيات البرلمانية الجهوية والقارية والدولية، وعقد الشراكات المؤسساتية والمنظماتية والمنتدياتية، والمشاركة في التظاهرات الدولية واحتضانها وتنظيمها. وأفضت الجهود الحثيثة التي تبذلها المؤسسة التشريعية، بالموازاة مع عمل الدبلوماسية الرسمية، والحضور البارز للبرلمان المغربي في مختلف الفضاءات العربية والإفريقية والمتوسطية والأوروبية والأمريكية الشمالية والجنوبية والآسيوية، إلى تحقيق الكثير من الاختراقات في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، منها سحب عدد كبير من البلدان اعترافاتها بالكيان الوهمي، وتضييق الخناق على خصوم الوحدة الترابية في المحافل الدولية. في هذا السياق، أكد الباحث الاكاديمي والمحلل السياسي عتيق السعيد، أن الدبلوماسية البرلمانية أضحت التوجه الأكثر انتشارا في العلاقات الدولية، لما تحققه من ضغط وتأثير قوي على الفاعل السياسي، وذلك باعتبارها تتمتع بالتمثيليتين الرسمية والشعبية، اللتان تشكلان امتدادا للسياسة الخارجية للدولة. وأضاف أن الدبلوماسية البرلمانية باتت اليوم ضمن القوى الضرورية في السياسة الخارجية للمغرب، لكونها قادرة، من خلال تشبيك العلاقات الفاعلة والمحفزة على تعزيز روابط الثقة والمصداقية، على أن تتبوأ موقعا هاما في ريادة دبلوماسية التأثير التي تضمن مد جسور التواصل لبناء علاقات قادرة على التفاعل الآني والاستشرافي مع مختلف قضايا محيطها الدولي، التي تهم وتتقاطع في ذات الوقت مع القضايا الوطنية. وأشار إلى أن الدبلوماسية البرلمانية تشكل مدخلا حيويا يتيح بشكل مباشر وغير مباشر تصحيح المواقف وتقريب وجهات النظر والتنسيق والتعاون المتبادل بين البرلمانات الإقليمية القارية والدولية، مضيفا أن التحرك الدبلوماسي البرلماني يمهد الطريق ويدعم بشكل مواز سبل الدبلوماسية الحكومية. وعن سبل تطوير الدبلوماسية البرلمانية وتعزيز نجاعتها، قال عتيق السعيد إنه يتعين على المؤسسة البرلمانية “مضاعفة جهودها ومواصلة الانفتاح على نظرائها بدول العالم من أجل تحقيق دبلوماسية برلمانية مبادرة ويقظة ومتعددة الأبعاد، تنسجم وتتكامل مع الدبلوماسية الملكية التي تشكل أساس دينامية المواقف الواضحة لجميع الفاعلين”. وتابع في ذات السياق أن تجويد مسارات الدبلوماسية البرلمانية يستلزم التموقع الاستراتيجي والمهيكل في مختلف المؤسسات الدولية من أجل التصدي للمغالطات والمناورات المعادية، والدفاع عن المصالح العليا والحيوية للمغرب، وذلك من خلال الانفتاح على التجمعات النقابية الإقليمية والقارية والدولية، والبرلمانات الدولية، لاسيما بالدول التي ما تزال مواقفها في حاجة ماسة إلى روافد تساعدها على تقريب وجهات النظر الواقعية. ودعا إلى تعزيز انخراط البرلمان في دينامية القنصليات التي تشهدها الأقاليم الجنوبية، من خلال تنظيم اللقاءات والورشات المفتوحة مع القنصليات بالتراب الوطنيفي أفق تحفيز باقي دول العالم للانخراط في ديناميتها. واعتبر أن المؤسسة البرلمانية مطالبة أيضا باعتماد التكوين العلمي المستمر قصد تعضيد طرح الترافع عن القضايا الوطنية، والانفتاح على المؤسسات الإعلامية الدولية، والسعي للتواصل المباشر من خلال منابع الاتصال المتعددة وطنيا وقاريا ودوليا بغية ترويج وتسويق مخرجاتها في الساحة الإعلامية. يشار إلى أنه تم التوقيع على اتفاقية تعاون بين مجلسي النواب والمستشارين ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج من أجل تكوين أعضاء البرلمان في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية، وتعزيز أداء المؤسسة البرلمانية في الدفاع عن القضايا الوطنية، خاصة في ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمملكة، والإلمام بالملفات والتحديات الملحة المطروحة على المستوى الدولي.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...