تعاني المنظومة الحزبية بالمغرب من أزمة بنيوية تتمثل في عدم تجاوبها مع مستجدات المشهد السياسي بكل تحدياته وتعقداته . حيث ظهر ذلك بالخصوص ليس فقط من خلال فشل هذه الأخيرة في مهامها التأطيرية ، بل أيضا في عزوف فئات واسعة من المواطنين خاصة الشباب عن الانخراط في هيئاتها التقريرية وتنظيماتها القاعدية ومنظماتها الموازية نظرا لإحساسهم بأنها لم تعد تعكس مطالبهم السياسية وانتظاراتهم الاجتماعية. مما يطرح التساؤل حول مدى ضرورة تحول هذه الأحزاب من أحزاب وطنية إلى أحزاب مواطنة 1- النضال السياسي والديمقراطي وتشكل الأحزاب الوطنية نشأت جل الأحزاب المغربية ضمن حركية اتسمت بالنضال من أجل التحرر من ربقة الاستعمار والمطالبة بديمقراطية النظام -النضال السياسي وتشكل الأحزاب الوطنية
شكلت الإيديولوجية الوطنية ، إن صح التعبير-وسيلة من وسائل التعبئة التي انتهجتها جل الأحزاب عبر مسارها السياسي. فقد شكل مفهوم الوطنية أرضية مركزية في طروحات كل الأحزاب المغربية منذ نشأتها إلى الآن . ولعل مما ساعد على سيادة هذا المفهوم ضمن المذهبيات الحزبية طبيعة المسار التحرري الذي انتهجه المغرب و الطبيعة الاستعمارية التي خضع لها و التي تميزت على الخصوص بالمظاهر التالية : – خضوع المغرب للسيطرة الاستعمارية بشكل متأخر بخلاف جل الدول لعربية التي استعمرت في منصف القرن 19 وكذا الدول المغاربية التي استعمرت في نفس الفترة. إذ لم يخضع المغرب للهيمنة الاستعمارية إلا في بداية القرن 20 ؛ الشيء الذي جعل أن مفهوم الشعور الوطني لم يتبلور إلا في وقت متأخر مقارنة بهذه الدول ؛ بحيث لم يتبلور سياسيا إلا في ثلاثينات القرن 20 . – طبيعة التقسيم الاستعماري الذي خضع له المغرب بتجزيئه إلى ثلاث مناطق نفوذ استعمارية جعل هذا المفهوم يلعب دورا رئيسيا في نضال الأحزاب من أجل تحرير البلاد . – طبيعة المسار التحرري الذي انتهجته القوى السياسية لاستقلال البلاد ؛ إذ أن تبني خيار استرجاع سيادة المغرب على مختلف أجزائه المغتصبة من خلال سياسة التدرج دفع القوى السياسية إلى تبني هذا المفهوم باستمرار للمطالبة باسترجاع المناطق المستعمرة وركزت عليه طيلة العقود الماضية سواء في الأربعينات من خلال المطالبة باستقلال المغرب أو في الخمسينات من خلال المطالبة باسترجاع بعض الأقاليم الجنوبية من إسبانيا وكذا المطالبة بجلاء القواعد الفرنسية أو في الستينات من خلال المطالبة بجلاء القواعد الأمريكية واسترجاع مناطق من الجنوب بما فيها موريتانيا ؛ أو في السبعينات و الثمانينات من خلال التعبئة الوطنية لاسترجاع الأقاليم الصحراوية وسبتة ومليلية – طبيعة المحيط الجهوي و الاقليمي المتميز بوجود قوى إقليمية منافسة للمغرب كالجزائر و إسبانيا اللتان وظفتا مشكل استرجاع الصحراء أو سبتة ومليلية لإضعافه والحد من طموحه الإقليمي بإشغاله بهذه القضايا سيما وهما يستحضران التاريخ الامبراطوري المغربي . و نظرا لكل هذه المعطيات ؛ فمازالت الأحزاب المغربية ترتكز على المفهوم الوطني لتحديد ورسم معالم أرضيتها الإيديولوجية و السياسية ؛ حيث تجد أن كل الأحزاب بلا استثناء تكرس هذا المفهوم في أدبياتها ؛ حيث تجعل من الدفاع عن الوحدة الوطنية لازمة إيديولوجية في كل المقررات التي تتمخض عنها مؤتمراتها الوطنية وملتقياتها الإقليمية و المحلية .بل لقد شكل المفهوم الوطني أساسا لتحديد الأحزاب لهوياتها السياسية ؛ فغالبا ما جرى هناك تمييز بين الأحزاب الوطنية وغيرها من الأحزاب الأخرى; حيث شكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال . و الاحتفال بها إحدى الوسائل لهذا التمييز . ولعل هذا ما دفع بالملك الحسن الثاني في إحدى خطبه إلى الإشارة إلى أنه ليست هناك قوة حزبية أكثر وطنية من الأخرى ، فالكل وطني في نظره . كما أدى ذلك إلى قيام باقي الأحزاب بما فيها أحزاب الوفاق ؛ والتي كانت تنعت من طرف خصومها بالأحزاب الإدارية ، إلى الاحتفال بدورها بذكرى تقديم عريضة الاستقلال حتى لا تترك أي مجال للمزايدة السياسية أمام باقي الأحزاب التي تنعت نفسها بالوطنية .بالاضافة إلى ذلك فقد لعب هذا المفهوم دورا أساسيا في التموقع داخل الأحزا إذ أن عدة قيادات سياسية وظفت رصيدها التاريخي المتجسد في مقاومة المستعمر و المشاركة في معركة التحرير و الاستقلال من أجل تكريس مواقعها القيادية داخل هذه الأحزاب . -النضال الديمقراطي وفشل الأحزاب في ممارسة الحكم من المعروف أن جل الأحزاب ركزت على المسألة الديمقراطية في توجهاتها و أدبياتها السياسية والمذهبية ؛ بما فيها تلك التي نهجت في فترة سياسية معينة أسلوب الاختيار الثوري و العمل على تغيير الحكم القائم على العنف المسلح .و لعل تركيز الأحزاب على هذه المسألة يرجع بالأساس إلى الخصائص التي تميز الحكم المغربي و المتجلية في: – الطابع التقليدي لبنية الحكم – الأسلوب المخزني لممارسة الحكم – الطابع النخبوي لثفافة الحكم
و قد أدت هذه الخصائص إلى إقرار نظام سياسي هجين يوظف الوسائل الديمقراطية لتكريس الحكم المخزني ؛ بحيث تم بهذا الصدد اعتماد البناء الدستوري ، و التصويت الانتخابي و إقامة إطار برلماني لإعادة إنتاج البنية المخزنية وتكريس تحكمها في دواليب الحكم . من هنا ؛ فقد شكل المفهوم الديمقراطي ركيزة أساسية في إيديولوجية الأحزاب ؛ و أصبحت حتى تلك الأحزاب التي تعتبر راديكالية تحاول اقتباس هذا المفهوم و التأكيد عليه الشيء الذي يفسر تحول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد انفصاله عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتبني خيار لنضال الديمقراطي ؛ و نفس النهج تبنته منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ؛ وباقي التنظيمات اليسارية .و هكذا أصبحت كل الأحزاب بمختلف تلويناتها السياسية تؤكد على المفهوم الديمقراطي سواء من خلا الأسماء التي تختارها أو الأدبيات السياسية التي تصوغها . وهكذا نجد أن المفهوم الديمقراطي يستخدم من طرف أحزاب يمكن اعتبارها على طرفي نقيض كالحزب الوطني الديمقراطي و الحزب الاشتراكي
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...