بوفاة الأستاذ بلعيد بويميد، الواحد المتعدد، تكون الصحافة، ولاسيما الصحافة الرياضية، فقدت واحدا من كبارها، الذين وضعوا الأسس للعمل الإعلامي المغربي، ونحتوا له الطريق، وأعطوه نكهته التي مضى عليها إلى اليوم.
تميز المرحوم بويميد، المثقف الكبير، بعشقه الفريد لمهنته، وبخاصة لتلك الجوانب المتعددة والمتنوعة فيها، وهو المثقف، العاشق للرياضة، ولكل الأشكال الفنية والمعرفية الأخرى، التي نهل منها، وظل ينهل، متعلما، ومعلما، دون كلل أو ملل.
كان الرجل، يرحمه الله، يأمل، وباستمرار، أن يتحصن المجال الإعلامي المغربي ضد التافهين، و”الأميين” ثقافيا، والوصوليين، ممن ابتلي بهم الميدان، حتى شطوا به إلى البعيد البعيد، حيث السفاسف والتفاهات، واللامهنية، بكل أسف.
وكم كانت الجلسات مع الكبير بويميد أشبه بالسفر الجميل. فهو سرعان ما يأخذ بتلابيب الحديث، ويلفت السمع والنظر، ويصبح سيد الموقف، وهو يناقش مادة النقاش من شتى الجوانب، مفتتنا بأساتدته في السوسيولوجيا والأنثربولوجيا، وقد درسهم، وعشقهم، وتعلق بهم، وبنظرتهم للأشياء.
ولعل الذين عايشوا، وعاشروا، الكبير بويميد، عرفوا فيه فطرية سرعة البديهة، والقدرة على مسرحة الأجواء والأشياء، ونباهة الفكر، وسليقة النكتة، وشهامة المثقف النبيل، وحبه الموغل للضحك والسخرية، وإمكانياته الرهيبة للعب بالكلمات، بحيث تصير مساحة للتفكير والرسائل.
لطالما تمنيت، وقلتها له، وقد حظيت بالسفر معه في رحلتين مهنيتين، كي يسجل مشاهداته وما اجترحه في مساره المهني، غير أنه كان “بوهيميا” في رؤيته للأمور، و”مخليها غادية”، بصدر رحب، وقلب كبير، ودون أي رغبة في التدقيق الذي يفوق الحد، ودون أن يكون مسيجا بالعلم، ونظرياته.
تكلم المرحوم بويميد، لمرات كثيرة، وطيلة مساره المهني، في أشياء كثيرة، ضمنها الفن، والرياضة، والفلسفة، وغيرها، وكان يحظى بالاحترام، والتقدير، ويجد الآذان التي تسمع له، وبخاصة في السنوات الأخيرة حين صار يكتب ويبث إذاعيا تلك الشذرات الكاريكاتورية العجيبة والجميلة، حيث الرسائل تترى.
رحمة الله على سي بلعيد بويميد، الذي تعلمنا منه، ومعه، وبفضله، أشياء لا تحصى في الإعلام، وعرفنا فيه حرقته على ميداننا، الذي كان يراه، ويريده، ميدانا للمثقفين، الذين يتعلمون باستمرار، ويملكون حبا لا نهاية له لبلدهم، ويعون بأن الصحافة ينبغي أن تكون مهنية، وإلا فهي مصيبة، تكاد تكون أكبر من مصيبة الموت.
إنا لله، وإنا إليه راجعون
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...