تميّز مستحق أم فشل للمدرسة العمومية؟
مرة أخرى، تكررت الصورة ذاتها، أصحاب أعلى المعدلات في امتحانات البكالوريا، على المستويين الوطني والجهوي، ينتمون في غالبيتهم إلى مؤسسات التعليم الخصوصي. معدلات تجاوزت سقف 19/20 في بعض الشعب، أثارت إعجاب البعض، لكن في المقابل طرحت تساؤلات حرجة عن واقع المنظومة التعليمية، والهوة الآخذة في الاتساع بين التعليمين العمومي والخصوصي. فهل يعكس هذا “الامتياز” تفوقا موضوعيا ناتجا عن جودة تعليم حقيقية في القطاع الخاص؟ أم أنه نتيجة خلل بنيوي في التقييم، وتفاوتات اجتماعية واقتصادية عميقة، تجعل من التعليم الخصوصي ممرا شبه حصري إلى النجاح؟.
المدارس الخصوصية تستفيد من امتيازات لا تتوفر للمدارس العمومية، عدد تلاميذ أقل في القسم، موارد بشرية منتقاة بدقة، إمكانيات لوجستيكية متقدمة، دعم أسري متواصل، وتحرّر جزئي من بعض القيود البيروقراطية التي تثقل كاهل التعليم العمومي. في المقابل، يعاني التعليم العمومي من مشاكل الاكتظاظ، نقص الأطر، ضعف البنية التحتية، تراجع في مكانة الأستاذ، وغياب رؤية تربوية متماسكة. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن عددا مهما من التلاميذ المتفوقين ما زالوا يخرجون من هذا النظام. في هذا الصدد، يعتبر يوسف العلوي، خبير في سياسات التعليم، أنه من الخطأ اختزال النقاش في تفوق الخصوصي وفشل العمومي.
الموضوع في نظره أكثر تعقيدا، فالمدارس الخصوصية لا تعمل داخل فراغ، بل تستفيد من شروط اجتماعية واقتصادية وثقافية تهيّئ بيئة النجاح، مضيفا أن التلميذ في الخصوصي يحصل غالبا على دعم أسري أقوى، دروس خصوصية، متابعة نفسية، وجو تعليمي محفز. لكن هذا لا يعني أن المؤسسة نفسها تنتج المعرفة بشكل أفضل دائما. وأضاف في حديثه للأنباء تيفي، أن المشكل الحقيقي يكمن في السياسات العمومية التي جعلت التعليم العمومي يفقد بريقه ورسالته، وتحول إلى ملاذ اضطراري للفئات الفقيرة. وختم قائلا “إذا استمرت هذه الهوة، فإننا نسير نحو تعليم طبقي، حيث تنفصل الجودة عن المساواة، ويُصبح النجاح امتيازا اجتماعيا لا حقا ديمقراطيا.” من جهته، قال أحمد بناني، الباحث في علوم التربية “نحن أمام ظاهرة ذات طابع بنيوي، لا مجرد تفوق عابر. التعليم الخصوصي يستغل ضعف التعليم العمومي ليكرّس نفسه كبديل للنخب، وهذا أمر خطير لأنه ينسف مبدأ تكافؤ الفرص”.
وقال في تصريحه “قد يكون هناك كفاءة فعلية في بعض المؤسسات الخاصة، لكن لا يمكن إنكار أن جزءا من هذه النتائج المرتفعة يعود أيضا إلى أنظمة تقييم مرنة أو متساهلة، وبالطبع لا يمكن أن نشكك في وجود ممارسات غير هذه كما يقول كثيرون”. ما ينبغي أن نفكر فيه الآن هو، يقول، “كيف نعيد بناء المدرسة العمومية؟ كيف نمنح الأستاذ مكانته؟ كيف نعيد الثقة في التعليم العمومي؟ لأنه ببساطة، إذا انهارت المدرسة العمومية، انهارت معها فكرة المواطنة والعدالة الاجتماعية.” وخلص إلى أن النتائج المرتفعة في امتحانات البكالوريا هذا العام لا يجب أن تُقرأ كأرقام ناجحة فقط، بل كمؤشرات لنظام تعليمي غير متجانس وفيه فروق واختلافات. وقال “السؤال المطروح اليوم ليس من حصل على 19/20، الفرق بين التعليم الخصوصي والعام لم يعد في المناهج فقط، بل في الفلسفة، في الموارد، وفي الرؤية”.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...