في خضم التحولات المتسارعة التي يعرفها سوق الشغل، خلص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن أنماطًا جديدة من التشغيل باتت تفرض نفسها بقوة، مدفوعة بتسارع الثورة الرقمية وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي.
هذه التحولات، التي اشتدت وتيرتها عقب جائحة كوفيد-19، أعادت تشكيل العلاقة بين العامل والمشغل، وفتحت الباب أمام فرص واعدة، لكنها في الآن ذاته أطلقت موجة من التحديات القانونية والاجتماعية غير المسبوقة.
وفي رأي حديث بعنوان “الأشكال اللانمطية للتشغيل والعلاقات المهنية: تحديات جديدة وفرص ناشئة”، توقف المجلس عند ثلاثة أنماط رئيسية باتت تشكل وجه الشغل الجديد: العمل عن بعد، والعمل عبر المنصات الرقمية، والعمل لبعض الوقت. وهي أنماط باتت تشمل قطاعات متنوعة مثل التوصيل والنقل عبر التطبيقات، وصناعة المحتوى، والبرمجة، والاستشارات، والترجمة، وحتى الأعمال المؤقتة بالتوازي مع الدراسة أو الالتزامات الأسرية.
ووفق المجلس، توفر هذه الأشكال الجديدة مرونة عالية في تدبير الوقت وتنظيم العمل، وتُتيح للمقاولات استقطاب كفاءات من خلفيات متنوعة، مع تقليص تكاليف الإنتاج وزيادة التنافسية. أما على صعيد الأفراد، فهي تمنح العاملات والعاملين إمكانية التوفيق بين حياتهم المهنية والخاصة، ما يعزز الإبداع والمردودية، خاصة لفئات مثل النساء والأشخاص في وضعية إعاقة وكبار السن.
لكن، وعلى الرغم من هذه الفرص، فإن هذه الأشكال اللانمطية من العمل تثير جملة من الإشكالات العميقة. فقد نبّه المجلس إلى أن هذه التحولات تحدث في ظل فراغ قانوني واضح، يجعل الكثير من العاملين خارج مظلة الحماية الاجتماعية، دون تغطية صحية أو أنظمة تقاعد أو تعويض عن فقدان الشغل، ناهيك عن غياب الضمانات المرتبطة بالصحة والسلامة المهنية.
كما أشار التقرير إلى هشاشة الأجور، وغياب الحدود بين الحياة الخاصة والمهنية، ومخاطر انتهاك المعطيات الشخصية، إلى جانب غموض بشأن كيفية ممارسة الحق النقابي والمشاركة في الحوار الاجتماعي.
وأكد المجلس أن التشريعات الحالية، التي تؤطر علاقات الشغل، لم تواكب هذا الواقع الجديد الذي يتميز بالمرونة العالية والاعتماد الكثيف على الوسائط الرقمية، داعيًا إلى إعادة النظر في المنظومة القانونية بما يضمن التوازن بين مرونة التشغيل وحماية الحقوق الأساسية للعاملين.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...
body.postid-1152232