حذرت النائبة البرلمانية، حنان أتركين عضو فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، من فوضى الإفتاء التي بات يعرفها المجال الديني في الآونة الأخيرة.
وأوضحت أتركين في سؤال كتابي وجهته لأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أنه في كل مرة، تطالعنا فتاوى غريبة تصدر عن بعض الأئمة، أو المشرفين على المدارس العتيقة، مشيرة إلى أن “هذه الفتاوى لا تقتصر على بيان الرأي من المسألة، التي قد تكون خلافية واجتهادية أو ظنية، بل يتم الإفتاء بعدم الأخذ بالآراء المخالفة، والتقرير بأنها مخالفة للشرع الحنيف ولمذهب أهل السنة، وفي أحايين كثيرة، تجنح الفتوى إلى الغلو فتتجاوز الموضوع إلى ترتيب آثار وخيمة عليه”.
وأبرزت أتركين، أنه من بين هذه الفتاوى، الإفتاء بعدم الصلاة وراء الأئمة القائلين بجواز “المسح على الجوارب من القماش”، ومن شأن هذا النوع من الفتاوى أن يؤلب الناس على أئمة المساجد المعروفة مواقفهم في الموضوع، وأن ينقل الخلاف من دائرة الرحمة والاجتهاد إلى فضاء الفتنة والتأليب، مع ما ينتج عن ذلك من آثار وخيمة ستخرج المسجد من دوره وحرمته ومكانته، مشيرة إلى أن هذه الفتاوى لا تقف عند هذه الحدود، بل امتدت أيضا إلى الإفتاء بأن بعض المواسم الدينية، المندرجة في العرف السوسي المتأصل، “مواسم شركية”، وإن كانت تتم بحضور وزارة الأوقاف، فإنها تمس بالتوحيد في عقيدة المغاربة، وأن المشاركة فيها، تعد من الأعمال المنهي عنها شرعا.
وفي هذا الصدد، ترى حنان أتركين، أنه يتم استغلال هذه المواسم، للنيل من المشترك الديني للمغاربة القائم على المحددات المعروفة، فيتم استهداف قيم التصوف والعقيدة الأشعرية، وإدراج القراءة الجماعية للقرآن، وتلاوة مديح البردة والهمزية، ضمن البدع المنهي عنها شرعا، موضحة أن هذا التطاول على الشأن الديني، مع ما له من حرمة، وعلى شأن الإفتاء المصان والممركز قانونا، يستدعي القيام بإجراءات غايتها حماية تدين المغاربة وفهمهم للدين، خارج هذا الامتداد الغريب للمذاهب الدخيلة ولغلو الآراء، والضرر الجسيم لمآلاتها.
وفي تصريح لموقع الأنباء تيفي، اعتبرت اتركين، أن التسامح مع هذا النوع من الفتاوى، سيزيد الأمور التباسا، خاصة أنه لا يمكن إدراك منطلقاتها وتأصيلها من قبل الجميع، مؤكدة على أن مآلاتها تبقى وخيمة لأنها تزعزع اعتقاد الكثيرين في ممارسات مألوفة، وعادات متأصلة، وتجعل البسطاء من الناس، يدخلون في سجالات، مرجحين دون علم هذا الرأي على الآخر. مشيرة إلى أن ذلك قد يأخذهم التعصب لأحد الفتاوى لتصدر عنهم أشياء لا تحمد عقباها.
وعلى إثر ذلك، شددت المتحدثة، على أنه من الضروري الفصل بين مجالين؛ مجال الاجتهاد وهو شخصي، أي أن لكل عالم أو فقيه رأي في الموضوع، وما يعبر عنه يدخل في مجال الرأي، ولذوي الاختصاص والفن أن يجادلوه وأن يردوا عليه، فيبقى هذا الخلاف مسبوغا بالطابع العلمي/الفقهي، وبين مجال الفتوى المنظم وفق نصوص قانونية دقيقة، تجعل هذا العمل موكولا للهيئة العلمية المكلفة بالافتاء المحدثة من لدن المجلس العلمي الأعلى. مشيرة إلى أن هذا المجال، أي مجال الإفتاء، له ضوابط وله جهة مختصة وعلى الجميع احترام هذا الاختصاص المكفول لها.
ومن جهة ثانية، تؤكد عضو الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة، على أن الفتوى ليست هي الاستشارة، مشيرة إلى أن وظيفة الإمام والخطيب، والمرشد هو تقديم أجوبة لأسئلة الناس تعينهم على القيام بشؤونهم الدينية وفق الثوابت الشرعية، وهذا العمل، حسب المتحدثة ليس هو الفتوى، معتبرة أن الفتوى شيء آخر، يتطلب شروطا في القائم بها، وهو نوع من التشريع في المجال الديني ويكون في أمور خلافية وعلى درجة كبيرة من التعقيد، كما أن الحل الذي تقدمه الفتوى، تضيف أتركين، يجب أن يستحضر جملة من الشروط والضوابط والمآلات.
وأمام هذه الانزلاقات التي نتجت عن “فوضى الفتوى”، تقول اتركين، على أن بلادنا دخلت عهدا جديدا يتسم بتخويلها لمؤسسة لها من الكفاءة والمعرفة ما يؤهلها للقيام بهذه المهمة الجسيمة. مشددة على ضرورة تنبيه الناس إلى مخاطر الفتوى الصادرة عن الجهات غير الرسمية، وإثارة انتباههم بكون الدين لا يؤخذ من الفضائيات وقنوات الشيوخ على الأنترنت، ومحذرة في الآن ذاته من تأثير ذلك على الأمن الروحي والتوابث والخصوصية الدينية لمجتمعنا.
وفي نفس السياق، تؤكد الدكتورة حنان في ذات التصريح، على أن محاربة المذاهب الدخيلة، وتوعية المواطنين بمقومات مرجعيتهم الدينية، شكلت “انشغالا كبيرا لسياستنا الدينية، لكن هذه الأخيرة، كأي سياسة عمومية في حاجة إلى وقفة وتأمل للتوقف عند مستويات النجاح ومكامن الخلل”.
وفي هذا الصدد، تقول المتحدثة، على أن هذه الفتاوى الشاذة لها تبعات خطيرة على المجتمع، وذلك بالنظر إلى تأثيرها السلبي على المغاربة: خاصة أنها تقول لهم، على حد تعبير النائبة: “أن توحيدكم ليس سليما، وعقيدتكم فاسدة، وتدينكم به كثير من البدع، وأن منهجكم بعيد عن نهج أهل السنة والجماعة…هنا في اعتقادي يكمن شذود هذه الفتاوى، التي تبشر عمليا بدين غير الدين الذي نشأنا عليه، الدين الوسطي، المعتدل، المؤمن بوحدة المذهب، والذي يأخذ بالعمل وعوائد أهل البلد…”.
مضيفة: “قد يكون سبب الإقبال على هذا النوع من الفتاوى، جهل بعض الناس بأمور دينهم، لكن أيضا لغياب رادع يحمي مجال الإفتاء من الدخلاء، وغياب ضابط يذكر الخارجين عن محددات مرجعيتنا الدينية التي خولت لبلادنا نوعا من الخصوصية. لهذا فإن مقاربة الموضوع، صحيح أنها متعددة، لكن جانب التسامح مع شيوعها وانتشارها، شجع القائلين بها على اقتحام مجال تلو الآخر، والافتاء في كل المواضيع لغاية زعزعة أسس التدين المغربي”.
وأمام هذا الوضع، تشدد البرلمانية على ضرورة تفعيل القانون، وكفالة مركزية الإفتاء، وإتاحة ولوج أكبر للمواطنات والموطنين إلى المؤسسات وإلى القائمين على الشأن الديني، عبر توظيف كل ما تتحيه التقنيات الحديثة للتواصل، مؤكدة على أن قيام الخطباء والوعاظ والمرشدين بمهامهم في نشر قيم التدين المغربي، من شأنه توفير حماية وتحصين أكبر ضد اللجوء إلى هذا النوع من الإفتاء أو إلى الاقتناع بمضامينه.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
للمزيد من التفاصيل...
body.postid-1152232