باتت موائد عدد كبير من المغاربة من الطبقة الفقيرة، بل وحتى المتوسطة، مهددة بأن تخلو من عدد من المواد الغذائية، بسبب ارتفاع أسعارها بشكل مهول.
ومن بين هذه المواد، لحوم الدواجن التي ارتفعت أسعارها الى أرقام قياسية باتت تثقل كاهل الأسر المغربية، أمام غلاء باقي المواد الغذائية الأخرى.
وفي هذا الصدد، أعرب مجموعة من الحقوقيين، عن استيائهم الشديد من الارتفاعات المتكررة في أسعار الدواجن، والتي قالوا إنها تثقل كاهل المواطنين المغاربة.
وفي عددنا هذا، تسلط جريدة الأنباء المغربية الضوء على أسعار لحوم الدواجن، والأسباب التي أدت إلى التهاب أسعار هذا النوع من اللحوم، وكذا الحلول التي يقترحها المهنيون، وذلك بإستضافة خالد الرابطي، مسؤول الإعلام والتواصل بالفيدرالية البيمهنية لقطاع الدواجن FISA.
1. في ظل موجة الغلاء التي تشهدها العديد من المواد الاستهلاكية، باتت أسعار لحوم الدواجن ملتهبة، وهو ما جعل المستهلك المغربي يشتكي من لهيبها، أنتم كمهني في القطاع، ما السبب الحقيقي، وراء غلاء هذا النوع من اللحوم؟
أولا، يجب ألا نغفل عن كون الدورة الإنتاجية لقطاع الدواجن لم تتعافى بعد من تداعيات فترة جائحة كوفيد-19، حيث تسببت الأزمة الصحية في تبعات كبرى على القطاع وخسائر جسيمة للمهنيين، أعقبها مباشرة ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الأولية نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج وبالتالي عجز العديد من المهنيين على مسايرة الوضع.
غير أن استمرار ارتفاع الأسعار خلال الشهور الأخيرة، مردّه أساسا إلى زيادة الطلب بشكل كبير على لحوم الدواجن، نتيجة لارتفاع أسعار اللحوم الحمراء التي أرغمت المستهلكين على اللجوء إلى اللحوم البيضاء كبدائل أكثر اقتصادية ومناسبة (رغم ارتفاعها) لقدرته الشرائية.
لكن؛ يجب الإشارة إلى أنه رغم هذه الصعوبات والتحديات، استمر مربو الدواجن في تزويد الأسواق الوطنية بشكل مستمر ومنتظم بلحوم الدجاج والديك الرومي والبيض.
2. نعلم أنه من بين أسباب ارتفاع لحوم الدواجن، غلاء الأعلاف، لكن وحسب المعطيات التي نتوفر عليها، فإن أسعار هذه الاعلاف ارتفع منذ السنة التي ظهر فيها كوفيد 19، وبالرغم من ذلك، كانت حينها أسعار لحوم الدواجن غير مكلفة للمواطنين، كيف تفسرون ذلك؟
دائما ما كانت أثمنة الأعلاف المركبة تعرف ارتفاعات وانخفاضات حسب تقلبات الأسواق العالمية للمواد الأولية التي يستوردها المغرب، كمدخلات في تركيبة الأعلاف، وكذا تقلبات سعر الدولار الأمريكي..؛ لكن، منذ سنة 2022 شهدت هذه الأثمنة ارتفاعات متتالية بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية التي ساهمت أيضا في ارتفاع تكاليف النقل البحري، مما أدى إلى ارتفاع أثمنة الأعلاف بنسبة قاربت 100%.
غير أن أسعار بيع الدجاج بالأسواق المغربية، لا تأخذ بعين الاعتبار تكلفة الإنتاج، بل يتحكم فيها ميزان العرض والطلب. بمعنى، يمكن بيع الدجاج بسعر أقل من تكلفة الإنتاج إذا فاق العرض الطلب، والعكس صحيح. ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك سجلها القطاع سابقا، فكم من مناسبة انخفض فيها سعر بيع الدجاج إلى حدود 6 دراهم، وكانت تكلفة الإنتاج حينها تتجاوز 12 و13 درهم، بالمقابل، في بعض المواسم الدينية ومواسم الأعراس، تعدى سعر الدجاج حاجز 17 و18 درهم وبنفس التكلفة. إذن، فتكلفة الإنتاج، مرتفعة كانت أو منخفضة، ليست هي المحدد الأساسي لسعر بيع الدجاج.
ثم، لا ينبغي أن نتجاهل دور الوسطاء في ارتفاع أسعار بيع الدواجن، فالدجاج يصل إلى المستهلك بسعر يزيد من 5 إلى 8 دراهم عن سعر بيعه انطلاقا من الضيعات كهامش ربح تجار الجملة والموزعين وتكاليف النقل وتجار التقسيط.
3. حسب المعطيات التي توصلنا بها، العديد من منتجي الدجاج، قد أعلنوا الإفلاس، وأن الغلاء نتيجة عدة تراكمات في القطاع، هل نحن أمام أزمة قد تتعمق أكثر مستقبلا؟
نعم، العديد من المنتجين أعلنوا إفلاسهم لهذه الأسباب أو لأخرى، وهناك من ضعُف رأسماله واضطر إلى تقليص استثماره في القطاع، لكن الأرقام التي بين أيدينا تؤكد أن القطاع في نمو مستمر يمكن استنتاجه من خلال مقارنة بسيطة بين سنتي 2023 و 2024 على سبيل المثال، حيث عرف إنتاج الكتاكيت صنف اللحم زيادة بنسبة 5% وكتاكيت الديك الرومي المستوردة والمنتجة محليا زيادة بنسبة 17%، لِيُسجل بذلك إنتاج لحوم الدواجن سنة 2024 زيادة بنسبة 6% مقارنة بسنة 2023. إذن نجن لسنا أمام أزمة، بل فقط أمام ارتفاع في الأسعار، والدليل على ذلك وفرة الدواجن بالأسواق وليس هناك خصاص.
4. هل قد يضطر المغرب إلى استيراد لحوم الدواجن على غرار اللحوم الحمراء، للتخفيف من غلاء القطاع؟
المغرب يحقق اكتفاءه الذاتي من اللحوم البيضاء، أما فيما يتعلق باستيراد لحوم الدواجن، فينبغي أن نضع في حساباتنا أن أسعار الدواجن شهدت ارتفاعا في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في المغرب، وبالتالي لا ينبغي الاعتقاد أن الاستيراد كفيل بإنهاء الأزمة وأن المنتوج بالخارج متوفر وسليم وأن الأسعار ستكون تنافسية. ثم أن الدواجن المجمدة المستوردة غالبًا ما تكون من صنف البيض التي أنهت فترة انتاجها وأخرجت من الدورة الإنتاجية، وليست من صنف اللحم، وهذا النوع متوفر عندنا بالأسواق المحلية وبأسعار منخفضة.
5. ما الحل لعودة استقرار أسعار القطاع؟
يجب أولا، إيجاد حل لمشكل ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء لخفض الضغط على لحوم الدواجن، ثم العمل على تنزيل الحلول التي اقترحتها الفيدرالية البيمهنية لقطاع الدواجن، خلال اجتماعها الأخير مع وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات يوم الاثنين 23 دجنبر 2024، والمتمثلة في تشجيع منظومة التجميع وتطوير النظم الإيكولوجية المندمجة، خفض التكاليف الهامشية، تشجيع تطوير المجازر الصناعية، وتأهيل الرياشات وذلك بتحويلها إلى مجازر قرب لتلبية حاجيات الأسر أو إلى محلات معتمدة لبيع لحوم الدواجن، وكذا العمل على إنشاء ضيعات لتربية أجداد دواجن التوالد (grands parentaux) صنف اللحم لتزويد السوق المحلي بكتكوت التوالد من أجل لتقليص التبعية للخارج فيما يتعلق بالتزود بأمهات الكتاكيت.
6. سبق وأن أعلنتم أن قطاع لحوم الدواجن تسوده الكثير من الفوضى، وأن تنظيمه رهين بسيادة المجازر العصرية، أين وصل هذا المشروع؟ وهل سيكون له تأثير على الأسعار التي هي في الأصل ملتهبة؟
ليست هناك فوضى في القطاع بالمفهوم العام، ولكن هناك عشوائية على مستوى التسويق، وهذا يؤثر على صورة المنتوج الوطني من لحوم الدواجن وجودته وكذا على أسعار بيعه.
لذلك، أطلقت الفيدرالية البيمهنية لقطاع الدواجن سنة 2021 برنامج دعم ومواكبة حاملي مشاريع إحداث مجازر عصرية للدواجن معتمدة من قبل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA)، ذات قدرة انتاجية منخفظة، ونظمت في سبيل ذلك لقاءات توعوية وتحسيسية لفائدة المهنيين بمختلف المدن لتشجيعهم على الانخراط في هذا البرنامج الذي يهدف إلى تنظيم وتحسين قنوات تسويق منتجات الدواجن و خلق عدد مهم من فرص الشغل، بالإضافة إلى تزويد المستهلك المغربي بمنتوج خاضع للمراقبة الصحية من قبل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية.
وقد انخرط عدد مهم من المهنيين في هذا البرنامج، حيث هناك عدد من المشاريع التي تم الحصول على تراخيصها وانطلق العمل لإنجازها، وأخرى لازالت في طور إعداد ملفاتها الإدارية.
وقد سجلنا اهتماما متزايدا بهذه المشاريع التي من شأنها تعزيز ثقة المستهلك المغربي في المنتوج الوطني من لحوم الدواجن والرفع من نسبة الاستهلاك الذي سينعكس إيجابيا على حجم الاستثمارات في هذا القطاع وزيادة الإنتاج.
7. مع اقتراب شهر رمضان، المغاربة يتخوفون من استمرار غلاء أسعار لحوم الدواجن، أو من ارتفاعها إلى حد أكبر، هل من تطمينات بهذا الخصوص، أم أن توقعات استمرار الغلاء في محلها؟
من ناحية الوفرة، لقد اتخذ مهنيو قطاع الدواجن جميع التدابير اللازمة لضمان تزويد السوق بشكل طبيعي باللحوم البيضاء خلال شهر رمضان. ومن ناحية الأسعار، فمن المتوقع أن تسجل انخفاضا ملموسا خلال الأسابيع القادمة، خصوصا وأن استهلاك اللحوم البيضاء خلال شهر رمضان لا يكون كبيرا بالشكل الذي يمكن معه تسجيل ارتفاع في الأسعار، باستثناء الأسبوع الأخير حيث ليلة القدر وعيد الفطر. وهنا لا بد من التنبيه إلى أن الإقبال المكثف وفي فترة زمنية محددة على أي منتوج كيف ما كان نوعه يتسبب في غلائه، ونحن من عاداتنا الإقبال المكثف على الدجاج في الأيام الأربعة الأخيرة من شهر رمضان، وهذا ما يتيح للبعض فرص المضاربة في الأسعار والرفع منها بشكل غير معقول، رغم إمكانية اقتنائها وتخزينها خارج هذه الأيام للقطع مع تلك الممارسات التي لا تتناسب والقدرة الشرائية للمستهلك.
8. كلمة أخيرة؟
شكرا لجريدة الأنباء المغربية على اهتمامها بهذا الموضوع الذي تغيب الكثير من تفاصيله عن الرأي العام وتسليطها الضوء على خباياه لفهم واقع القطاع وتحدياته والإكراهات التي يواجهها مهنيوه. فرغم الارتفاع المسجل في أسعار الدواجن، تبقى اللحوم البيضاء مصدر البروتينات الحيوانية المناسبة للقدرة الشرائية للمستهلك المغربي مقارنة بأسعار المنتوجات الأخرى. لذا، لا بد من الإشادة بالدور الذي يلعبه قطاع الدواجن في سد الخصاص الذي تعرفه الأسواق المغربية من اللحوم وتحقيقه الاكتفاء الذاتي وسعيه إلى المساهمة في تحقيق السيادة الغذائية لبلادنا رغم الصعوبات.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...