في وقت تتصاعد فيه الدعوات إلى تعزيز منظومة الرعاية الصحية، حذرت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان من الوضعية “الكارثية” التي يعيشها المرضى النفسيون والمدمنون بالمغرب، في ظل ما وصفته بغياب رؤية وطنية متكاملة للقطاع، واستمرار انتهاك الحقوق الأساسية لهذه الفئة الهشّة.
وعبّرت الرابطة، في بلاغ، عن قلقها الشديد إزاء التدهور المستمر في خدمات الطب النفسي، والذي ينعكس مباشرة على كرامة المرضى وحقهم في العلاج والرعاية، كما يكفله الدستور المغربي والمواثيق الدولية.
أرقام صادمة ونظام استشفائي مأزوم
تشير المعطيات التي أوردها البلاغ إلى مفارقات مقلقة، حيث يوجد 2260 سريرا فقط للطب النفسي، بمعدل لا يتجاوز 6.64 سرير لكل 100 ألف نسمة، إلى جانب 655 طبيبا نفسيا موزعين على أكثر من 37 مليون مواطن.
كما لا تتجاوز الميزانية المخصصة للصحة النفسية 6% من الميزانية العامة لقطاع الصحة، ما يبرز حجم الاختلالات البنيوية التي يعاني منها المجال.
هذا الوضع يزداد تعقيدا في ظل غياب مراكز الإيواء، خاصة في الجهات الجنوبية والمناطق النائية، حيث يجد المرضى وذووهم أنفسهم أمام مسارات معاناة طويلة، في غياب دعم أو مرافقة فعالة من المؤسسات المعنية.
مستشفى القنيطرة… جاهز لكن مغلق
من بين أبرز النقاط التي تثير استغراب الحقوقيين، تأخّر افتتاح مستشفى الأمراض العقلية بمدينة القنيطرة، رغم انتهاء الأشغال به منذ مدة.
هذا التأخر، بحسب الرابطة، فاقم معاناة الأسر التي تُجبر على التنقل لمسافات بعيدة بحثا عن علاج لأبنائها، دون ضمانات حقيقية للاستجابة.
وفي غياب البدائل، أصبح عدد من المرضى النفسيين يعيشون في الشارع، عرضة للتشرد والتهميش، ما يشكل تهديدا على سلامتهم وسلامة المواطنين، في ظل غياب تدخل فعّال من الجهات المعنية.
مأساة في إنزكان
البلاغ الحقوقي توقف عند واقعة مأساوية بمستشفى الأمراض النفسية بإنزكان، حيث تم رفض استقبال شاب في وضعية نفسية حرجة، ينحدر من مدينة الوطية بإقليم طانطان، رغم خطورة حالته. الحادثة كشفت، بحسب الرابطة، عن هشاشة القدرة الاستشفائية للقطاع، وعدم جاهزية المؤسسات الصحية للتعامل مع الحالات الطارئة.
وفي مواجهة هذا الوضع، دعت الرابطة إلى تفعيل مستشفيات الأمراض النفسية، خصوصا مستشفى القنيطرة، في أقرب الآجال، واعتماد سياسة وطنية للصحة النفسية والإدمان، ترتكز على مقاربة حقوقية وإنسانية.
كما طالبت بتعزيز البنيات التحتية، وتوفير موارد بشرية كافية، إضافة إلى إنشاء مراكز استقبال للحالات العاجلة، ووضع حدّ لظاهرة تشريد المرضى العقليين في الشوارع.
وفي ختام بلاغها، وجّهت الرابطة نداء مباشرا إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، داعية إياه إلى تحمّل مسؤولياته الدستورية والأخلاقية، واتخاذ إجراءات عاجلة تضع حدا لمعاناة المرضى العقليين والمدمنين، وتُعيد الثقة في مؤسسات الدولة لدى هذه الفئات المهمشة.