في تحول يعكس ملامح مشهد صناعي جديد، بات المغرب لاعبا محوريا في صناعة السيارات على أبواب القارة الأوروبية، ما أثار قلقا متزايدا داخل دوائر القرار في بروكسل، التي بدأت تتحرك لحماية صناعتها من التراجع والتبعية المتنامية لسلاسل توريد خارجية.
ففي خطوة رمزية ذات دلالة عميقة، أعلنت مجموعة “ستيلانتيس” نقل إنتاج الجيل الجديد منسيارة Citroën C4 من مصنعها في مدريد إلى مصنع القنيطرة بالمغرب، الذي ينضم بذلك إلى سلسلة متنامية من المرافق الصناعية في المملكة تُنتج طرازات أوروبية شهيرة مثل Dacia Logan وJogger وSandero، وRenault Express، وPeugeot 208، وCitroën Ami، وFiat Topolino.
هذا النمو في الدور المغربي لا يبدو أنه يمر مرور الكرام على صانعي القرار الأوروبيين، خاصة في ظل ما يعتبرونه اعتمادا مفرطا على مكونات تُصنع خارج الاتحاد الأوروبي.
رغم أن العديد من هذه السيارات تُركب داخل أراضي الاتحاد، إلا أن نسبة متزايدة من أجزائها تأتي من دول غير أعضاء كالمغرب وتركيا، ما يجعل وصفها بـ”صُنع في أوروبا” محل جدل متنام.
ردا على هذا التحدي، كشفت المفوضية الأوروبية عن نيتها تشديد قواعد المنشأ، بحيث لا يُسمح بتصنيف المركبات على أنها أوروبية الصنع إلا إذا احتوت على نسبة كبيرة من المكونات المُصنعة داخل التكتل.
ويأتي هذا في إطار مساع أوروبية لحماية صناعتها المتعثرة، التي تواجه تحديات بيئية صارمة، وضغوطا في التحول إلى السيارات الكهربائية، إلى جانب منافسة شرسة من شركات مدعومة بقوة من دول مثل الصين والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
ويترافق هذا التحرك مع قرارات أولية بفرض رسوم جمركية على السيارات الصينية، وخطط أوسع لمراجعة سلاسل التوريد، وتشجيع الإنتاج المحلي للمكونات الحيوية، مثل البطاريات والأنظمة الإلكترونية المتقدمة، التي باتت تُمثل جوهر التنافس الصناعي في قطاع السيارات.
وفي حين تواصل مصانع المغرب صعودها بخطى ثابتة نحو مكانة إقليمية ودولية، تتسابق العواصم الأوروبية لضمان ألا يفضي هذا التقدم إلى نزيف صناعي داخلي أو تراجع استراتيجي في تكنولوجيات المستقبل.
والمفارقة أن قرب المغرب الجغرافي من أوروبا، والذي كان يعد ميزة لوجستية، تحوّل اليوم إلى عنصر ضغط يحفز التكتل على إعادة النظر في قواعد اللعبة الصناعية.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...