أثارت قضية بيع شواهد الماستر في كلية الحقوق بجامعة ابن زهر بأكادير جدلا واسعا داخل الأوساط الجامعية والرأي العام المغربي، إذ أعادت إلى الواجهة الحديث عن مظاهر الفساد التي تعيشها بعض مؤسسات التعليم العالي، رغم محاولات الإصلاح السابقة التي غالبا ما اصطدمت بمقاومة شرسة من داخل المنظومة نفسها.
وفي هذا السياق، اعتبر الباحث والمحلل السياسي محمد شقير، في تصريح ل “الأنباء تيفي”، أن الجامعة المغربية باتت تعاني من اختلالات وسلوكيات لا تمت بصلة للأخلاقيات الأكاديمية. وأوضح أن هذه الانحرافات لم تعد تقتصر فقط على فضائح أخلاقية، كما حدث بكلية الحقوق بسطات، بل امتدت إلى تزوير الشهادات، كما شهدت مؤسسات في تطوان وآسفي، لتبلغ اليوم مستوى أكثر تعقيداً وخطورة مع تفجر فضيحة كلية ابن زهر.
وأشار شقير، إلى أن هذا الوضع المتردي يجد جذوره في سياسة ممنهجة خلال الفترة السابقة، حين تم اعتماد استراتيجية لاحتواء الحراك الطلابي الذي كان يقوده تيار اليسار والحركات الإسلامية، وذلك عبر دمج الفضاء الجامعي في شبكات الزبونية والفساد. وقد فتح هذا المسار الباب أمام استغلال الوظيفة الجامعية لأغراض شخصية ومادية، حيث تورط بعض الأساتذة في ممارسات من قبيل إعداد أطروحات لفائدة شخصيات نافذة مقابل مبالغ مالية، أو فرض شراء كتبهم الخاصة ودروس خصوصية لتمكينهم من اجتياز الامتحانات الشفوية.
وأضاف المتحدث، أن إصلاح الجامعة، الذي سمح للأساتذة بفتح ماسترات خاصة وتحديد شروطها وتعيين لجان مناقشتها، تحول في بعض الحالات إلى وسيلة لتحقيق الكسب السريع، بدل أن يكون منصة لتطوير البحث العلمي وتعزيز الجودة الأكاديمية.
وشدد على أن غياب آليات صارمة للمراقبة، إلى جانب الاكتظاظ وسهولة الولوج إلى الجامعات المفتوحة، سهّل على من وصفهم بـ”تجار المعرفة” التغلغل في المنظومة، بل وتقديم نموذجهم للجيل الجديد من الأساتذة الجامعيين باعتباره مسارا مربحا أكثر من الالتزام العلمي.
ولفت شقير إلى أن عدم اتخاذ قرارات حازمة في الوقت المناسب، والتغاضي عن هذه الممارسات، ساهم في تفشي الظاهرة، لا سيما عندما تكون مدعومة بانتماءات حزبية أو شبكات نفوذ سياسي.
وفي سياق ذي صلة، ذكر شقير بـ”قضية تعود إلى سنة 2018، حين اتُّهم أحد الأشخاص بنشر تدوينة على “فيسبوك” اتهم فيها منسق ماستر بالسمسرة في ملفات التسجيل، ما أدى إلى إدانته ابتدائيا بغرامة مالية وتعويض مدني لفائدة الأستاذ المعني. غير أن محكمة الاستئناف ألغت الحكم بسبب عيوب شكلية، وأعلنت براءته من التهم المنسوبة إليه”.
وتفتح هذه الفضائح المتكررة باب التساؤل مجددا حول مدى فعالية الإصلاحات الجامعية، وحاجة الجامعة المغربية إلى آليات رقابة حقيقية، تحصنها من اختراقات الفساد وتحافظ على مصداقيتها كمؤسسة أكاديمية ومجتمعية.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...