أصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رأياً تفصيلياً حول مشروع الدلائل المرجعية للوظائف والكفاءات الخاصة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، تضمن جملة من الملاحظات والانتقادات البنيوية، داعياً إلى إصلاح شمولي يراعي متطلبات المرحلة ويستجيب لمقتضيات القانون الإطار 51.17.
وجاء هذا الرأي، الذي تمت المصادقة عليه خلال الدورة الثامنة للمجلس، استجابة لطلب رسمي من رئيس الحكومة، حيث اعتبر أن المشروع في صيغته الحالية يفتقر إلى الشمولية ويظل محدوداً من حيث النطاق الوظيفي، مشدداً على ضرورة توسيع هذه الدلائل لتشمل جميع المهن المعتمدة بالقطاع، بما في ذلك الأطر البيداغوجية والعلمية والتقنية والإدارية.
وأكد المجلس على أهمية اعتماد تصنيف وظيفي واضح ودقيق يأخذ بعين الاعتبار الأسر المهنية ومسارات الحركية داخل المنظومة، مشيراً إلى أن غياب توصيف وظيفي للكفاءات المطلوبة يعوق التدبير الفعال للموارد البشرية، ويحدّ من مرونة الحركية المهنية بين الإدارة المركزية والجامعات والمؤسسات التابعة لها.
وفي جانب التنظيمي الأساسي، طالب المجلس بتأطير هذه الدلائل بسند قانوني صريح، يندرج ضمن التشريع المنظم للتعليم العالي والبحث العلمي، ضماناً للنجاعة القانونية والمؤسساتية، ومشروعية الإجراءات المرتبطة بتطبيقها.
وشدد التقرير على أن هذه الدلائل لا يمكن أن تُحدث الأثر المهني والمؤسساتي المنشود إلا إذا أُدرجت ضمن تصور إصلاحي شمولي ينسجم مع باقي مكونات المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، ويعتمد مخططاً مندمجاً لتدبير المسارات المهنية، يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات التنظيمية للمؤسسات الجامعية.
وفي رأيه الموازي حول مشروع القانون المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، انتقد المجلس ما وصفه بـ”غياب رؤية استراتيجية واضحة”، وضعف الانسجام بين مكونات النظام، واستمرار التشتت المؤسسي والتمايز بين التعليم العالي والتكوين المهني من جهة، والقطاعين العام والخاص من جهة أخرى.
كما دعا إلى إعادة هيكلة التعليم العالي بعد البكالوريا، بما يشمل إدماج الأقسام التحضيرية للمدارس العليا، في إطار مخطط وطني استشرافي متعدد السنوات، يتم التوافق بشأنه.
وأكد المجلس على ضرورة تعزيز استقلالية الجامعات على المستويات البيداغوجية والعلمية والإدارية، باعتبارها خياراً استراتيجياً لضمان جودة التعليم العالي، مع مراجعة الإطار القانوني المنظم لفروع المؤسسات الأجنبية بما يضمن احترام السيادة التربوية والالتزام بالثوابت الوطنية.
وحذر المجلس من أن الاعتماد المفرط على النصوص التنظيمية بدل النص التشريعي قد يؤدي إلى ارتباك في التطبيق وضعف في الضمانات القانونية، مشدداً على أن اللحظة الراهنة تتطلب انتقالاً من الإصلاحات التقنية الظرفية إلى بناء إطار قانوني واستراتيجي متكامل ومؤسس لمنظومة تعليم عالٍ أكثر كفاءة وعدالة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...