قال وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، إن ولوج المغرب إلى مجال المالية التشاركية جاء استنادا إلى اجتهادات فقهية متوازنة، ومراعاة لمقاصد الشريعة، التي لا ترى بأسا في المعاملات البنكية شريطة ضمان العدل ومنع الإجحاف، مؤكدا أن تسميتها بـ”المالية التشاركية” بدل “الإسلامية” كان خيارا واعيًا لتفادي الإيحاء بأن باقي البنوك تفتقد للشرعية الدينية.
وجاءت تصريحات التوفيق خلال افتتاح المنتدى الثالث والعشرين حول الاستقرار المالي الإسلامي، المنعقد بالعاصمة الرباط، والمنظم من طرف بنك المغرب ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، حيث اعتبر أن المغرب خطى خطوات حثيثة نحو تأصيل بنية مؤسساتية للمالية التشاركية، في مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، باعتباره الجهة المخول لها حصريا إصدار الفتاوى المتعلقة بالشأن العام.
وأشار الوزير إلى أن لجنة الفتوى، المنبثقة عن المجلس العلمي الأعلى، أنشأت بدورها لجنة خاصة بالمالية التشاركية، ساهمت في تقنين منتجاتها وإصدار 194 رأيا شرعيا، انبثقت عن أكثر من 421 اجتماعا، وواكبتها دراسات معمقة قانونية وشرعية وتطبيقية.
وأبرز التوفيق أن ما ساعد على قبول المالية التشاركية هو التناغم بين الفتوى والمؤسسات، مؤكدا أن والي بنك المغرب أبدى منذ ما يقارب عقدا من الزمن بصيرة استراتيجية حين بادر إلى إدماج هذا النوع من المعاملات البنكية في المشهد المالي الوطني، متغلبا على تحفظات كانت سياسية بقدر ما كانت فقهية.
واعتبر المسؤول الحكومي، أن الحديث عن الفوائد البنكية ينبغي أن يفهم في إطار شمولي، حيث إن المال، في التصور الإسلامي، ليس غاية في ذاته بل وسيلة لتحقيق العدل والتكافل، ويفترض أن يدار وفق ضوابط شرعية تبعده عن الطغيان والاستغلال.
وأكد التوفيق أن القروض البنكية لا ينبغي أن تكون بابا للربح المجحف، بل وسيلة للتيسير ورفع الحرج، مشددا على أن الفائدة إن تحولت إلى وسيلة للظلم فإنها تستدعي تدخل الدولة، عبر مؤسساتها، لضبط التوازن وحماية المقترضين من الاستغلال.
وبخصوص الجدل التاريخي بين الشرق والغرب حول الربا، أشار الوزير إلى أن التفاعل بين الحضارتين كان مصحوبا بفهم متباين لمفاهيم مالية، لافتا إلى أن مفكرين كرشيد رضا وشكيب أرسلان وفضل الرحمن تبنوا رؤى إصلاحية تميز بين الربا والفائدة، داعين إلى تنمية اقتصادية واقعية عوض الاقتصار على التحريم.
واعتبر التوفيق أن المالية التشاركية في المغرب بلغت مرحلة مفصلية تتطلب تجديد الرؤية وتوسيع قاعدة الوعي، مشيرا إلى أن هذا القطاع لا يزال مثقلا بحساسيات مرتبطة بالتصورات الدينية للناس، بين ما هو حلال وما هو محظور، مما يفرض خطاباً عقلانياً يربط بين الشريعة والمصلحة.
وختم الوزير كلمته بالتأكيد على أن المال في الإسلام “أمانة ووظيفة اجتماعية”، يتوجب تسييره بعقل راشد يضمن التوازن، ويحترم القيم الشرعية، ويراعي السياق المجتمعي والسياسي في الآن ذاته.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...