يبدو أن أجواء الجولة الأولى من اجتماعات لجنة إصلاح أنظمة التقاعد التي عقدت يوم الأربعاء 5 أكتوبر 2022، بين الحكومة وبين النقابات الأكثر تمثيلية تمر في أجواء يسودها جو من اللاّثقَة بين مكوناتها، وقد تصل للباب المسدود، خاصة بين الحكومة والنّقابات التي اعتبرت إخفاء تفاصيل نتائج دراسة تعود الى سنة 2016 أمرا “غير مقبول ويؤسس لجو من الشك في النوايا”، فيما يشكل تسريب العرض الأولي للنقاش الداخلي حسبهم “النقطة التي أفاضت الكأس”.
الدّراسة السّرية
وأفاد مصدر شارك في اللقاء الأول للجنَة إصلاح أنظمة التقاعد، أن الحكومة ممثلة بوزارة الاقتصاد والمالية “لم تصرح بالتفاصيل التي وردت في الدّراسة، حيث بداو معنا بالتّشاش منذ البداية”، مشيرا إلى أن اللقاء الأول قدمت فيه خطوط عريضة للدراسة، فباستثناء الإشارة إلى “مسألة الزيادة في السن وكذا الاقتطاعات، فإن الأمور الأخرى غير معروفة وتم اخفاؤها”.
ولفت المصدر ذاته، إلى أن السّبب في اعتقادنا لإخفاء نتائج هذه الدراسة أنها تحمل أخبارا غير سارة للمتقاعدين من خلال إصلاحات ترقيعية تكون على حسابهم، عوض إيجاد حلول عملية شاملة تمس شفافية تدبير الصناديق، وتجد حلول مبتكرة خارج دائرة رفع السّن والاقتطاع، بل التوجه المتوقع نحو النّقص حتى من قيمة المعاشات الهزيلة.
وبين المصدر ذاته، أن الحكومة في لقاءها الأول تريد أن تُحمّلنا أي قرار في النقابات، عوض أن تكون صريحة مع المتقاعدين وعموم المواطنين حول الأزمة التي تعيشها هذه الصناديق، مردفا بالقول:”وأكيد أننا لن نقبل أن نكون شمّاعَة لتعليق أي قرار فيه توجه لمزيد من المساس بالمكتسبات التي تحققت، خاصة في وضع اجتماعي مأزم يتسم بالغلاء وارتفاع مهول للأسعار”.
تسريب العرض الأولي
وبين المصدر ذاته، الذي تحدث لـ “الأنباء تيفي”، أن تسريب العرض الأولي من طرف الحكومة ساعات قليلة بعد انتهاء الاجتماع الأول يعتبر “النقطة التي أفاضت الكأس”، ويزكي توجه تحميلنا كنقابات مساوئ هذا الحوار، حيث يوحي أن هناك اتفاق بيننا وبين الحكومة على ما جاء فيه، وهذا غير صحيح نهائيا ويمكن أن تجدوا ذلك في محضر الاجتماع الذي وقعنا عليه جميعا.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن ما تم الاتفاق عليه حسب المحضر، والذي حصلت “الأنباء تيفي” على نسخة منه، هو “اعتماد سيناريوهات الإصلاح والمصادقة على خارطة الطريق لتنزيلها، وذلك في أجل حدد في شهر أبريل من السنة المقبلة”، مؤكدا أن هذا سيَمر عبَر “محطات من التشخيص ومناقشة الدراسة التي لم تخرجها الحكومة منذ 2016 ثم بعد ذلك وضع خارطة الإصلاح”.
وفي نفس السّياق، وفي 11 أكتوبر 2022، ولكي تسبق نقابة الاتحاد المغربي للشغل أي سوء فهم من طرف الرأي العام لهذا التّسريب الحكومي، أصدرت بيانا توضيحيا تُندد فيه بهذا التّصرف، مشيرة إلى أن هذا التسريب يخلق قراءات مغلوطة وبلبلة وسط الأجراء والرأي العام، مؤكدة أن هذا الاجتماع الأولي كان حصريا من أجل التواصل والإعلان عن انطلاق أشغال اللجنة ولم يخلص مطلقا إلى أي نتائج في الموضوع.
وأكدت الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل أن الوثيقة التي تمّ إخراجها للعموم من طرف وزارة المالية، ليست سوى أرضية أعدت بشكل أحادي من طرف الوزارة المذكورة، ولم يحصل أي اتفاق على أغلب مضامينها ومخرجاتها من طرف ممثلي الاتحاد المغربي للشغل.
ودعت نقابة مخاريق، وزارة الاقتصاد والمالية، التي أوكل لها الإشراف على هذا الملف البالغ الأهمية، إلى احترام أدبيات وقواعد الحوار الاجتماعي واعتماد مقاربة أكثر جدية في التعاطي معه وأكثر مسؤولية في مسار المفاوضات؛ وذلك بالنظر لحساسيته البالغة وللتتبع الكبير الذي يحظى به من طرف الأجراء وعموم الرأي العام ببلادنا.
رفض المخرجات
اللاثقة بين نقابة موخاريق والحكومة لم تقف في هذا الحد، ففي 13 أكتوبر الجاري، ستعبر النقابة صراحة عن رفضها لمخرجات الاجتماع الأول، وعن استغرابها واستيائها من الطريقة التي تعاملت بها وزارة الاقتصاد والمالية في إعدادها وتدبيرها لأول اجتماع للجنة المكلفة بملف التقاعد، مؤكدة أن ملف التقاعد يعتبر “موضوعا مجتمعيا لا يمكن أن يخضع لمنطق المقياسية ولا يمكن تحميل كلفته للطبقة العاملة”.
وأشارت النقابة، في بلاغ توصلت “الأنباء تيفي” بنسخة منه، إلى أن طريقة تعامل الوزارة مع موضوع التقاعد “يمس بمصداقية وشفافية عمل هذه اللجنة ويؤثر على مسار الحوار الاجتماعي”، مبينة أن النّقاش حول التقاعد يجب أن ينطلق على “قاعدة التوفر على جميع المعطيات بما فيها دفتر التحملات الذي أعدته الحكومة واعتمده مكتب الدراسات الذي يطرح حوله علامات استفهام”.