يعتبر ابعاد الملك الراحل محمد الخامس عن العرش 20 غشت 1953 لمنفاه بمدغشقر، البداية الأولى لانهيار نظام الحماية، ومنه الاستعمارين الفرنسي والاسباني، إذ شكلت هذه المرحلة بالضبط بداية جديدة من الكفاح الوطني من أجل الاستقلال حين أجمعت الحركة الوطنية بكل أطيافها على تسمية هذه اللحظة بـ “ثورة الملك والشعب”.
اتفاق ايكس ليبان
أورد امحمد جبرون في كتابه، “تاريخ المغرب المعاصر من الحماية الى وفاة الملك الحسن الثاني”، أن المغرب عاش أزمة سياسية حادة بعد نفي السلطان محمد الخامس، حيث شهدت اضطرابات مختلفة الألوان والأشكال، امتدت للحكومة الفرنسية نفسها إذ قدم اثنين من أعضائها الاستقالة احتجاجا على السياسة المتّبعَة في المغرب.
عرفت هذه الفترة، حسب المصدر ذاته، مقاومة مسلحة وتفاوض سياسي انتهى باتفاق “ايكس ليبان “، حين تم تشكيل خلية أزمة ترأسها رئيس الحكومة “ادغار فور” وعقدت أول اجتماع لها بمنتجع “ايكس ليبان” حيث نجحت فيه السلطات الفرنسية على تحديد خريطة طريق لحل القضية المغربية من خلال ثلاث نقاط: رحيل بن عرفة، وتشكيل مجلس العرش، وتأليف حكومة وطنية تباشر مفاوضات الاستقلال.
غير أن هذه المخرجات، حسب جبرون، لم تكن موضع ترحيب من كافة زعماء الحركة الوطنية وقادة المقاومة، ولكن رغم ذلك شرعت السلطات الفرنسية في تنفيذ خطتها، وأوكلت هذه المهمة الى المقيم العام الجديد “بوايي دولا تور”، إذ تم فعلا رحيل ابن عرفة، وتشكيل مجلس العرش، غير أن تعيين حكومة وحدة وطنية عرفت مشكلا بسبب امتناع حزب الاستقلال عن الانضمام إليها.
في جانب آخر، اعتبر حدث توبة الباشا الكلاوي من مواقفه السابقة حين اشتغل سابقا للمستعمر الفرنسي سببا في إضعاف المنهجية السياسة الفرنسية، حيث أكد الكلاوي في مجلس العرش بضرورة عودة الملك الشرعي لعرشه، مما جعل السلطات الفرنسية تسرع أمام هذا المأزق بتنفيذ لأحد التزاماتها التي قطعتها سابقا.
وأورد الكتاب أن السّلطات الفرنسية قامت بنقل الملك محمد الخامس إلى فرنسا في ليلة 29-30 أكتوبر 1955 حين نزل جنوب فرنسا، معتبرا هذه العودة اعترافا شرعيا به كملك للمغرب، قبل أن يعود رسميا لبلاده في 16 نونبر معلنا بزوغ شمس الحرية والاستقلال.
الاستقلال المتداخل
يقول جبرون، في كتابه، إن محمد الخامس، نصب مباشرة بعد عودته للبلاد الحكومة الأولى برئاسة امبارك البكاي، إذ اعتكفت هذه الحكومة على معالجة العديد من الملفات الملحة وعلى رأسها التفاوض مع فرنسا من أجل الاستقلال والوصول الى اتفاق سياسي يعوض معاهدة الحماية.
وأبرز، جبرون، أن من أبرز المشاكل التي واجهت الحركة الوطنية في سعيها لتحقيق الاستقلال حتى قبل “ايكس ليبان” هو مفهوم الاستقلال ومداه والبديل السياسي لمعاهدة الحماية، إذ برز في هذا السياق نقاش بين الحركة الوطنية والنخب السياسية الفرنسية في هذه الفترة مفهوم “الاستقلال المتداخل” كمفهوم إطار للخروج من معاهدة الحماية والدخول في إطار جديد للعلاقات بين المغرب المستقل وفرنسا.
ولفت المتحدث ذاته، إلى أن حزب الاستقلال كان متحمسا لهذا الأمر من خلال حاجة المغرب لفرنسا، فالاستقلال المتداخل، هو الاستقلال الذي يحفظ لفرنسا مصالحها الاقتصادية والثقافية والسياسية بالمغرب، ويضمن استمراريتها في هذا البلد وذلك من خلال حزمة من الاتفاقات والالتزامات وخاصة من الجانب المغربي.
وتبين، حسب المصادر التي أوردها الكتاب، أن هناك اتفاق على هذه التخريجة بين النخبة السياسية بداية بحزب الاستقلال وناطقها الرسمي عبد الرحيم بوعبيد في اتفاق “ايكس ليبان”، كما أن حزب الشورى اتجه في نفس المنحى وإن اختلف مع التسمية، إذ اقترح التفاوض مع فرنسا في أفق توقيع معاهدة جديدة للصداقة والتعاون، كما أن محمد الخامس لم يكن مبدئيا معترضا على هذه الصيغة من الاستقلال.
انطلاق المفاوضات
ومن ثم انطلقت المفاوضات بين حكومة امبارك البكاي والسلطات الفرنسية استنادا الى مفهوم الاستقلال المتداخل، الذي كان مطمئنا للأوساط الفرنسية في فرنسا ومحققا الى حد ما السيادة للمغرب، ملفتا أن هذه المفاوضات استغرقت مدة شهرين تقريبا توجت ببيان الاستقلال وبروتوكول المرحلة الانتقالية في 2 مارس 1956.
وبين المصدر ذاته، أن هذا الإعلان لم يكن مرضيا تماما للمغرب، بل سجّل عليه تحفظين رئيسيين: الأول مرتبط باقتطاع فرنسا عددا من الأراضي المغربية وضمها الى مستعمرتها في الجزائر كتندوف وغيرها، التي طالب بعودتها الى حوزة الوطن، والثانية تتعلق بالقواعد العسكرية الامريكية بالمغرب والتي شيدت بناء على اتفاق ثنائي بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ولا دخل للمغرب بها.
وأشار جبرون، أن أولى المبادرات التي اتخذتها حكومة الاستقلال والدالة على بداية العهد الجديد: الإعلان عن انشاء القوات المسلحة الملكية في 12 ماي 1956، والتي عين ولي العهد الحسن الثاني قائد أركانها الأول، واحداث وزارة الخارجية للمملكة المغربية في الشهر نفسه وكان أول وزير خارجية في المغرب المستقل هو أحمد بلافريج.
وأوضح المتحدث ذاته، أن هذه المُبادرات المبكرة كان تعبيرا عن استرجاع المغرب لسيادته التي كانت تمارسها بدلا عنه السلطات الحماية، إذ كانت بموجب معاهدة 1912 الدبلوماسية والأمن من اختصاصات سلطة الحماية الفرنسية وهذا ما تم استرجاعه.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...