يصر إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، ونبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، على مطلب تقديم ملتمس للرقابة ضد حكومة أخنوش، رغم إدراكهما أن هذا المطلب غير ممكن عمليا بسبب غياب النصاب المطلوب في هذه الحالة، بالمقابل لايفتأ عبد الإله ابن كيران، الذي باعدت “مدونة الأسرة” بين حزبه والتقدم والاشتراكية، في العض على المواضيع المثيرة للجدل، بينما ينزوي حرب الحركة الشعبية، بقيادة محمد أوزين، بعيدا عن تطاحن “المعارضة”.
لكن؛ لماذا يصر الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية على مطلب إسقاط الحكومة عبر ملتمس الرقابة، ويرفض ابن كيران ذلك، ويعتبرها أوزين خطوة غير مجدية؟
الأمر الواقع
لايتوقف حزب الاتحاد الاشتراكي عن الدفاع عن مطلب تقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة؛ حتى وهو يدرك جيدا أن التوافق النهائي بين جل مكونات المعارضة، من جهة، وعدد المقاعد البرلمانية التي حازتها فرق المعارضة مجتمعة، لايسمح له بالحديث عن هذا الموضوع.
وآواخر شهر يناير الماضي، أعلن المجلس الوطني للحزب الذي انعقد بالرباط “العمل مع مختلف مكونات المعارضة المؤسساتية من أجل توفير شروط تقديم ملتمس الرقابة بمجلس النواب، وتقديم ملتمس مساءلة الحكومة بمجلس المستشارين، وذلك ردا على محاولات الحكومة إفراغ المؤسسة التشريعية من محتواها وتعطيل أدوارها”.
وينص الفصل 105 من دستور المملكة، أنه يحق لمجلس النواب أن يعارض مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس للرقابة؛ إلا أنه لا يقبل هذا الملتمس أمام شرط أن توقيعه من قبل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، على الأقل. وينص ذات الفصل، على أنه لا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، وهو ما يصعب من مهمة الإطاحة بحكومة أخنوش التي حازت ثقة الأغلبية المطلقة، يوم 13 أكتوبر 2021، إذ صوت لها يوها 213 صوت من أصوات ممثلي الأمة؛ مقابل معارضة 64 صوت، وامتناع عضو واحد عن التصويت.
وعمليا، وفي غياب التنسيق مع باقي فرق المعارضة، لن يكون بامكان فريقي الحزبين (الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية)، قادران على تقديم الملتمس إذ يلزم ذلك أن يتم توقيعه من طرف 79 نائبا، بينما لايملك الفريقان مجتمعين سوى (56 نائبا). وحتى في حال التوافق بين جميع مكونات المعارضة، لن يمكن إسقاط الحكومة، إذ لايتعدى نوابها مجتمعين (120 نائبا)، بينما لتحقيق الأغلبية يجب أن يصل عدد النواب إلى 198 نائبا برلمانيا.
ورقة ضغط
يعتبر مراقبون، أن إصرار الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية على مطلب إسقاط الحكومة عبر ملتمس الرقابة، مرده إلى محاولتهما إعادة حزبيهما إلى واجهة الأحداث السياسية. وبعد أن لعب الحزبان دورا أساسيا في مراحل سابقة، باتا أقل حضورا، حتى وهما يغادران كرسي الأغلبية الحكومية الوثير. ورغم السخط الشعبي الذي واجهته وتواجهه حكومة أخنوش، وقراراتها التي لاقات لحتجاجات واسعة، وضمنها ملفات غلاء الأسعار، وارتفاع أسعار المحروقات، واحتجاجات الأساتذة وطلبة كلية الطب.. إلى غير ذلك من الملفات التي أساءت الحكومة تدبيرها، والفضائح التي تطارد الأحزاب المشكلة لها، إلا أنه مع ذلك لم ينجح الحزبان في فرض وجودهما، سواء في الشارع، أو من داخل المؤسسات، إذ ظل أداء المعارضة باهتا، زد على ذلك تخلف رئيس الحكومة والوزراء لأكثر من مرة عن الحضور، وعدم التفاعل مع الأسئلة البرلمانية، وعدم احترام الآجال في تقديم الأجوبة، وتجاهل المعارضة.. الخ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى سحب مجموعة من القوانين والنصوص التشريعية ذات الأهمية من قبيل قانون الملك العام البحري، والمناجم، والإثراء غير المشروع والقانون الجنائي. إضافة إلى هيمنتها على التشريع ضربا لمبدأ التعاون والتكامل بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية.
مدونة الأسرة.. العودة للواجهة
بالمقابل، فإن حزب العدالة والتنمية الذي أدى ثمن قيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، يدرك أن التحالف مع أحزاب اليسار لن يجدي نفعا، كما أن الرهان على تقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة غير ممكن، بل العكس من ذلك، يمكن أن يزكي شرعية حكومة أخنوش. وعلى العكس من ذلك تماما، اختار حزب العدالة والتنمية، أن يعود إلى واجهة الأحداث عن طريق إذكاء النقاش العمومي حول مدونة الأسرة. وفي خطاب العرش لسنة 2022، شدد الملك محمد السادس “بصفتي أمير المؤمنين، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”. وزاد “من هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”، إلا أن ذلك لم يمنع من يحول النقاش حول مدونة الأسرة إلى قضية رأي، إذ ما فتئ عبد الإله ابن كيران، مدعوما بقيادة الحزب يهاجم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ويتهم رئيسته بأنها تريد أن تجعل إرادة البشر تسمو على إرادة الخالق.
كما أن اجتماعا استثنائيا عقدته الأمانة العامة للحزب من أجل التعبير عن فخرها بالوقوف إلى جانب القوى الحية في المجتمع وعموم المواطنين والمواطنات في الدفاع عن مرجعية الدولة والمجتمع، وعن هويته، وقيمه الراسخة وثوابته الخالدة، وعن المحددات والمرجعيات والتوجيهات التي جاءت في كل الخطابات الملكية السامية بشأن تعديل مدونة الأسرة، قياما بالواجب الدستوري المناط بالأحزاب السياسية، وفي إطار الاحترام التام لكل المؤسسات في قيامها بأدوارها واختصاصاتها.
المعارضة الناعمة
من جهته، اختار حزب “السنبلة” المعارضة الناعمة لحكومة أخنوش، معتقدا أنها قد تعيده يوما، إلى الحكومة التي اختار أخنوش أن تتشكل من ثلاثة أحزاب.
وسبق للأمين العام لحزب الحركة الشعبية محمد اوزين، بشكل صريح، عن عدم انخراط حزبه في أي مبادرة من شأنها ما أسماه ب”تهديد استقرار المؤسسات”، بل وحتى أن منظور الحركة الشعبية الذي يسعى إلى إيجاد منفذ له للاصطفاف إلى جانب الأغلبية، لايتوافق وأسلوب محاولة إسقاط الحكومة، خاصة أمام قوة الحزب الذي يقودها، وهو ما اكتشفه الحركيون في عدد من الانتخابات الجزئية التي شهدتها عدد من الدوائر التشريعية، آخرها سقوط عائلة آل عيدودي الحركية أمام مرشح حزب الأحرار.
وفي اكتوبر الماضي، التقت قيادات من حزب الأحرار بنظيرتها من الحركة الشعب، تم التشاور خلاله حول مجموعة من القضايا، من ضمنها موضوع المشاركة في الحكومة. وفي هذا اللقاء كما في غيره لم يكن أوزين، يحتاج إلى إعلان أن حزبه مستعد للمشاركة في حكومة أخنوش.
يشار إلى أن تقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة تم اللجوء إليه مرتين فقط، حيث حدث ذلك للمرة الأولى في شهر يونيو من سنة 1964، حين تم تقديم الملتمس ضد حكومة باحنيني. وفي المرة الثانية سنة 1990 عندما تقدمت المعارضة به ضد حكومة عز الدين العراقي، لكن في كلا الحالتين لم يتنجح المعارضة في إسقاط الحكومتين، بسبب فشلهما في الحصول على أصوات الأغلبية المطلقة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...