أعلن قصر الاليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيقوم بزيارة دولة إلى المغرب في نهاية أكتوبر بهدف ترسيخ إعادة إطلاق العلاقات الثنائية بعد فترة فتور طويلة. وبعد عامين من الفتور بين باريس والرباط على خلفية ملف الصحراء، تشهد العلاقات بين البلدين تقاربا ينذر بآفاق جديدة لأوساط الأعمال الفرنسية في المغرب.
ووجه الملك محمد السادس رسالة دعوة إلى الرئيس الفرنسي بهذا الموعد أشاد فيها بـ”الآفاق الواعدة التي ترتسم لبلدينا”، كما أوضحت الرئاسة الفرنسية.
ونقل قصر الإليزيه عن الملك قوله إن هذه الزيارة ستكون “فرصة لمنح شراكتنا الاستثنائية رؤية متجددة وطموحة تغطي عدة قطاعات استراتيجية وتأخذ في الاعتبار أولويات بلدينا”
صفحة جديدة
فتحت فرنسا صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين بعد بادرة دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي. وأبلغ ماكرون العاهل محمد السادس في في رسالة وجهها له في 30 يوليوز أن مخطط الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط هو “الأساس الوحيد” للتوصل إلى تسوية للنزاع المستمر منذ نحو خمسين عاما مع جبهة البوليساريو”. وكانت واشنطن وبرلين ومدريد سبقتا باريس إلى إلى اتخاذ هذه الخطوة.
وكتب الرئيس ماكرون في رسالته إلى العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتوليه العرش، أن “حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”، بدون أن يعترف صراحة بأن هذه المنطقة جزء من المغرب.
ونددت الجزائر بالموقف الفرنسي وسحبت سفيرها لدى فرنسا بأثر فوري، ما أدى إلى مفاقمة التوتر بين البلدين.
من خلال زيارته إلى المغرب التي تأجلت مرات عدة منذ العام 2022، يعتزم ماكرون أيضا طي صفحة سلسلة من التوترات الأخرى.
وأثار سعي ماكرون إلى التقارب مع الجزائر في حين قطعت الأخيرة علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في العام 2021، غضب شديدا في المغرب.
وفي عام 2021، تعرض القرار الفرنسي بتخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف لانتقادات.
وهدفت فرنسا من خلال هذا القرار إلى دفع الرباط للتعاون بشكل أكبر في مسائل الهجرة غير الشرعية، وكذلك بلدان المغرب العربي الأخرى وخصوصا تونس والجزائر.
لكن بعد مرور أكثر من عام ونيف، تراجعت باريس عن قرارها وأعادت سياسة التأشيرات إلى وضعها السابق.
في الجانب الفرنسي، أبدت السلطات امتعاضها بعدما كشف تحقيق صحافي استقصائي استهداف المغرب أرقام هواتف ماكرون ووزراء في عام 2019 ببرنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”، وهي اتهامات نفتها الرباط.
رياحا مواتية تهب من جديد
يفتح التقارب الفرنسي المغربي آفاقا اقتصادية وتجارية جديدة أمام الشركات الفرنسية التي تأثرت في السنوات الأخيرة جراء التوترات بين البلدين.
قال مسؤول في شركة فرنسية عاملة في المغرب طالبا عدم كشف اسمه “من الواضح أن رياحا مواتية لفرنسا تهب من جديد”، موردا دليلا على ذلك مناقصات جرت في المغرب مؤخرا وفازت بها شركات فرنسية.
بعد يومين من نشر رسالة ماكرون إلى العاهل المغربي رسميا، فازت شركة “إيجيس” الفرنسية للهندسة بالاشتراك مع نظيرتها “سيسترا” وشركة “نوفيك” المغربية بعقد لمد خط سكك حديد للقطارات السريعة بين مدينتي القنيطرة ومراكش.
وباشرت شركات فرنسية ومغربية العمل في الصحراء، من بينها مجموعة “إنجي” الفرنسية للطاقة التي تقوم حاليا بالاشتراك مع “ناريفا” المغربية ببناء محطة لتحلية مياه البحر في مدينة الداخلة
إلى ذلك تسعى فرنسا إلى وضع علاقتها مع الجزائر في مسارها الصحيح رغم التوترات.
وأعلن ماكرون أنه “مصمم” على “مواصلة عمل الذاكرة والحقيقة والمصالحة” مع الجزائر على خلفية الاستعمار الفرنسي، بعد إعادة انتخاب نظيره عبد المجيد تبون في 7 شتنبر، موجها له “أحر التهاني”.
هنا وهناك
واعتبر محمد زيدوح رئيس مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية في مجلس المستشارين ردا على أسئلة فرانس برس “سيكون هناك حتما تطوير وتسريع للتعاون الاقتصادي بين البلدين ولا سميا في الصحراء “.
وتعتبر الصحراء التي تملك موارد هائلة على صعيد طاقة الشمس والرياح، منطقة إستراتيجية للنمو الاقتصادي في المغرب الذي يتجه نحو الطاقات المتجددة ويأمل في إيجاد موقع له في سوق الهيدروجين الأخضر.
وباشرت شركات فرنسية وغربية عموما العمل في الصحراء، من بينها مجموعة “إنجي” الفرنسية للطاقة التي تقوم حاليا بالاشتراك مع “ناريفا” المغربية ببناء محطة لتحلية مياه البحر في الداخلة.
كما فازت مجموعة ساد-سي جي تي أش Sade-CGTH المتخصصة في البناء والبنى التحتية بمناقصة لمشروع مد شبكة المياه في الداخلة.
وأثار التقارب بين باريس والرباط ارتياح الشركات الفرنسية في المغرب. وعلق إتيان جيرو رئيس المجلس الفرنسي للمستثمرين في إفريقيا “كنا نحرص منذ سنتين على عدم لفت الأنظار، لم يكن من مصلحتنا أن نجاهر بجنسيتنا”.
كما أكد صاحب شركة فرنسي طلب عدم كشف اسمه أن شركات اقتصادية مغربية ضخمة “عاودت دق أبوابنا” لإقامة شراكات في المملكة، في حين أنه في السنوات الماضية “بدأنا نسمع بأن هناك أعداد أكبر مما ينبغي من المشاريع مع فرنسيين، شعرنا بتوتر ملموس”.
وقال جان شارل دامبلان المدير العام لغرفة التجارة والصناعة الفرنسية في المغرب إنه “على صعيد العقود العامة في تلك الفترة، ربما كان الأمر أكثر تعقيدا بقليل”.
لكنه أوضح “لم نشهد تباطؤا كبيرا” بصورة إجمالية في العلاقات الاقتصادية نتيجة التوتر الدبلوماسي في السنوات الماضية.
وأشار في هذا الصدد إلى العلاقات الوثيقة للغاية التي لم تتراجع بين فرنسا والمغرب، مع بلوغ حجم المبادلات التجارية مستوى قياسيا قدره 14 مليار دولار العام الماضي.
ولا شك أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى زيادة حادة في واردات المنتجات الزراعية الفرنسية.
وفرنسا هي المستثمر الأجنبي الأول في المغرب، مع إقامة شركات مؤشر كاك 40 في بورصة باريس جميعها تقريبا فروعا في المملكة التي تعد ألف شركة فرنسية ولا سيما مصانع بناء وتجميع سيارات وطائرات.
كما أن المغرب هو المستثمر الإفريقي الأول في فرنسا مع ارتفاع استثماراته المباشرة من 372 مليون يورو عام 2015 إلى 1,8 مليار يورو عام 2022.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...