في خطوة قد تكون مفصلية في مسار تقنين العالم الرقمي بالمغرب، أعلن وزير الشباب والثقافة والتواصل، مهدي بنسعيد، اليوم الأربعاء، عن إعداد إطار قانوني شامل يُنتظر أن يُحدث تحولا نوعيا في طريقة تعامل الدولة مع منصات التواصل الاجتماعي.
الوزير، الذي كان يتحدث أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب كشف أن هذا المشروع يرمي إلى كبح التداعيات السلبية للتطبيقات الرقمية، دون المساس بحرية التعبير، مع إيلاء عناية خاصة لحماية الأطفال والشباب من المحتوى الضار.
مرجعية دولية
الإطار الجديد يستند إلى تجارب دولية رائدة، تشكل مرجعا يمكن الاستئناس به لضمان فعالية التنفيذ وشفافيته. ويُعد هذا القانون من أولى المحاولات الجادة لإرساء قواعد قانونية واضحة في بيئة رقمية ظلت طويلا خارج نطاق الضبط والتقنين، ما جعلها مجالاً مفتوحاً للفوضى والمضامين الخطيرة.
تعيين ممثل قانوني داخل المغرب
من بين أبرز شروط هذا الإطار، إلزام جميع المنصات الرقمية التي تستهدف الجمهور المغربي، سواء عبر المحتوى أو السوق الإعلاني، بتعيين ممثل قانوني داخل التراب الوطني.
هذا الممثل سيكون مخاطبا رسميا للدولة، ما سيضع حدا لحالة “الفراغ القانوني” التي لطالما استغلتها منصات أجنبية لممارسة نشاطها دون حسيب أو رقيب.
القانون المرتقب سيفرض على المنصات اعتماد أنظمة تعديل محتوى تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد المضامين غير القانونية بشكل آلي، لاسيما تلك التي تتعلق بالعنف، خطاب الكراهية، الأخبار الزائفة، أو المحتويات الموجهة بشكل غير لائق للقاصرين.
كما يتعين على هذه المنصات توفير آليات شفافة وسريعة للتبليغ، بما يضمن استجابة فعّالة وفورية لحماية المستخدمين.
رؤية جديدة للسيادة الرقمية
في ظل التوسع الكبير للفضاء الرقمي، يرى مراقبون أن هذا الإطار يمثل نقلة نوعية في تعاطي الدولة مع قضايا السيادة الرقمية، إذ يوازن بين حماية الحريات الفردية وضرورة ضبط المحتوى، في عالم لم يعد يخضع للحدود الجغرافية، بل للقدرة على التنظيم والتشريع الذكي.
سلطة “الهاكا”
من أبرز ملامح هذا القانون، توسيع صلاحيات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) لتشمل مراقبة ومتابعة محتوى المنصات الرقمية، حتى تلك التي لا تتوفر على تمثيلية مادية داخل البلاد.
ويخول النص القانوني للهيئة إمكانية فرض التزامات واضحة على هذه المنصات، ومطالبتها بتقارير دورية حول خوارزميات تعديل المحتوى، أنظمة التبليغ، وآليات التعامل مع الشكايات.
الهدف، بحسب الوزير، هو إرساء منظومة متكاملة تحقق العدالة الرقمية وتضع المواطن المغربي في صلب حماية مؤسسية من التأثيرات السلبية للمحتوى الإلكتروني، دون أن تتحول الدولة إلى رقيب يُكمم الأفواه.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...