نزار خيرون*
للأسف يروج كثيرون ربما بحسن نية أو بسوئها أن نتائج الانتخابات المهنية، التي أعلن عنها بالأمس، تعكس تصويتا عقابيا ضد حزب العدالة والتنمية، وأن هذه النتائج هي مؤشر مُسبق لنتائج 08 شتنبر المقبل، على اعتبار أن حزب ’”المصباح” تراجع في عدد المقاعد.
ولأن التاريخ لا يحابي أحداً فإنه لا ينبغي أن تكون لنا ذاكرة الأسماك، ففي سنة 2015 حينما حلَّ العدالة والتنمية في الرتبة الخامسة في نفس الاستحقاقات، وهو في عزّ أوجه، نفس الكلام الذي يقال اليوم قيل آنذاك، ولأن التحليل يقتضي التحلي بالمعطيات كما هي دون تأويل ولا زيادة أو نقصان، فإنه لابد من الإشارة إلى ما يلي:
1)- العدالة والتنمية منذ نشأته لم يكن يحقق نتائج مهمة في الانتخابات المهنية، لعدة اعتبارات، أولا لطبيعة هذه الانتخابات التي لها مُحترفوها وإذا أردت أن تكون لك نتائج متقدمة فيها ينبغي أن تكون رائدا في مجال “الأعيان” و”المال”، ولكونها انتخابات أشخاص أكثر منها أحزاب، دون الحديث عن طبيعة المصالح المتبادلة التي تتحكم في ضبط وتوجيه التصويت في مثل هذه الاستحقاقات، وطبعا حزب العدالة والتنمية ليس حزباً للمال ولا تجمعا للشركات ولا المصالح بل هو حزب المناضلين، وهم من رشحهم الحزب، معظمهم من الشباب.
2)- انتقل العدالة والتنمية من 1388 ترشيح سنة 2015 الى 784 ترشيح فقط برسم سنة 2021، أي بتراجع بأزيد من 600 ترشيح كما أن الحزب تراجع في ترتيب الاحزاب من المرتبة الثالثة سنة 2015 الى السادسة في سنة 2021، وهذا وحده سبب واضح للتراجع الذي عرفه الحزب، بالإضافة إلى أخذنا بعين الاعتبار أن الحملة الانتخابية للمهنيين تزامنت مع الجموع العامة الانتدابية التي تتطلب من الحزب جهدا ووقتا أوفر وبالتالي لم يكن الانخراط في حملة هذه الاستحقاقات بالشكل المطلوب.
3)- عودة لموضوع التصويت العقابي، في سنة 2015 روجت منابر على كون النتائج المحصل عليها آنذاك تعكس تصويتا عقابيا للسياسات الحكومية، كما خرج البعض اليوم شماتة في المصباح، وكون هذه النتائج أيضاً مؤشر مسبق لنتائج الاستحقاقات اللاحقة، وإعادة إفراز خريطة المشهد السياسي وغيره من الكلام ديال “تاشوافت” إلخ.. فجاءت الانتخابات الجماعية والجهوية عكس ما تنبأ به المتنبؤون، وحصد الحزب نتائج غير مسبوقة ربما في تاريخ المغرب، وكذلك الأمر في الانتخابات البرلمانية سنة 2016.
4)- لا يُمكن بأي شكل من الأشكال إسقاط نتائج انتخابات الغرف المهنية على الانتخابات الجماعية والجهوية وحتى التشريعية فلكل استحقاق منطقه الصّرف وكل واحد يختلف عن الآخر اختلافا مطلقاً، ففي الانتخابات المهنية لا صوت يعلو على صوت المال والأعيان والاستقطاب.
5)- إذا بحثنا جيدا سنجد أن الحزب المتصدر لهذه الاستحقاقات رشّح عددا كبيراً من الأعيان الذين كانوا مترشحين باسم الحزب الذي تصدر نفس الاستحقاقات سنة 2015.
6)- القطاعات المعنية بهذه الاستحقاقات لا يدبر شؤونها حزب العدالة والتنمية بل الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات المهنية، والذي هو بالمناسبة عضو في الحكومات المتعاقبة منذ سنوات خلت، فإذا كان التصويت العقابي فالمفروض أن يكون للأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي ككل؟
أخيراً، بالرغم من كل القصف الإعلامي “المخدوم” وبالرغم من كل التحليلات السياسية المُحبكة، فإنه لا صوت وبلا بديل عن العدالة والتنمية باستحضار كافة المعطيات الانتخابية والتنظيمية والسياسية خلال الاستحقاقات المقبلة.