يقال “البقرة الحلوب عندما ينضب حليبها يتم ذبحها”، مقولة أصبحت متكررة في الحقل السياسي، فمعظم الدول العظمى قادرة على رعاية غنم دولة أخرى تجزَّع ظهرها بأزمة جفاف في حقلها الدبلوماسي، ولعل المستعمِر والمستعمَر سابقا، سيقومون بإحياء المقولة/الأسطورة من جديد.
غدا سيقوم رئيس الجمهورية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، بزيارة رسمية للجارة الجزائر بدعوة من رئيسها عبد المجيد تبون، مرفوقا بوفد كبير من بينهم حاخام يهودي، وفحواها غير معروف حاليا.
ومن جهة أخرى، فالمغرب البلد الواعد وفرنسا إن لم تلتحق بالركب لن ينتظرها القطار، هناك بلدان أخرى دخلت على الخط كبريطانيا ( مشروع اكس لينكس)، الولايات المتحدة (جبل تروبيك استثمارات ضخمة في الصحراء)، كذلك ألمانيا (الهيدروجين الأخضر)، والآن الصين تدخل على خط البنى التحتية، والجزائر بغازها ونفطها الذي أوشك على النضوب، لم تعد تشكل اهتماما لفرنسا وخصوصا أنه سيتم الاستغناء عن استعمال البترول بعد عقدين من الزمن في أوروبا، وهذا ما يجعل رؤوسنا تنهمر بالتساؤلات أهمها، ما الذي جعل فرنسا تلبي دعوة الجزائر بعد خطاب جلالة الملك، مطالبا فيه بوضوح المواقف الضبابية للشركاء التقليديين للمملكة؟ وهل ماكرون تساهل مع المناورات الروسية بالأراضي الجزائرية؟ وماذا عن انسحاب “طوطال إينيرجي” قبل أن تطأ قدم ماكرون مطار وهران؟
أجابنا الباحث في العلاقات الدولية والترافع الدبلوماسي، عثمان عيشوش، في تصريح مع الأنباء تيفي، وقال “إن فرنسا ليست تلك الدولة المرنة في علاقتها مع باقي الدول، وخصوصا الدول التي تعتبرها مستعمراتها السابقة، فحاليا ستدخل فرنسا في دبلوماسية تكسير العظام مع المغرب عن طريق استخدام كل أوراق الضغط وفرنسا الأن ستحاول وضع الجزائر في الزاوية، وزيارة ماكرون للجزائر الآن بحضور العديد من الوفود الدبلوماسية و والاقتصادية والعسكرية وغيرها، يبين أمرا واحدا، هو أن فرنسا تريد الحصول على أكبر المكاسب الممكنة من الجزائر وهي تلوح أمام جنرالات الجزائر بورقة الاعتراف بمغربية الصحراء، وماكرون حاليا يحاول لعب آخر الأوراق ضد المغرب. وقبل أن تتخذ فرنسا خطوتها القادمة من ملف الصحراء، لا بد من معرفة ما المكتسب من الجزائر مقابل عدم الإقدام على هذه الخطوة، وبالتأكيد فرنسا ستضع على طاولة المساومة خفض النفوذ الروسي في الجزائر، والحصول على امتيازات أكبر فيما يخص النفط والغاز، إضافة إلى توسيع النفوذ الفرنسي أكثر، وخصوصا كما نعلم أن جناح جنقريحة الحاكم الفعلي للجزائر، ليس هو الجناح الذي يتبع فرنسا، وإنما يولي قبلته نحو روسيا أكثر.
وبخصوص إنسحاب طوطال إينرجي أضاف عيشوش، “يدخل سحب فرنسا لأحد مشاريعها التي كانت الجزائر تعول عليها لدخول سوق الهيدروجين الدولي مباشرة قبل زيارة الرئيس الفرنسي كأحد اساليب الضغط التي تمارسها فرنسا حاليا، فهي تعلم جيدا أنها ستخسر الكثير بعد الخطاب الملكي الأخير، وخصوصا أن المغرب كما ذكرنا سابقا (وكان لنا السبق في ذلك)، بدأ يلوح بتقديم مشروع خط البراق للدار البيضاء أكادير الضخم إلى شركات صينية بدل الشركة الفرنسية “الستوم” كما جرت العادة، وهي صفقة تحتاجها فرنسا في ظل الأوضاع الإقتصادية الراهنة لضخ بعض الدماء في اقتصادها الذي عانى من عدة صدمات متتالية، كان من شأنها إرهاق خزينتها، فلحد الآن المغرب لم يحسم موقفه من هذا المشروع، ولا يمكن أن يعتبر المغرب علاقة فرنسا بالجزائر مساسا بمصالحه، مادامت هذه العلاقة لا تؤثر على مصالح المغرب بشكل مباشر خصوصا في قضيته الأولى وهي ملف الصحراء.
وختم الباحث التصريح، “لا ننسى أن رئيس إسبانيا بيدرو سانشيز بعد بضعة أسابيع من التقائه بزعيم البوليساريو وتوقيع اتفاقيات طويلة الأمد مع الجزائر، خرج فجأة ليصدم جنرالاتها بدعمه لمقترح الحكم الذاتي، فلا عجب أن نرى الرئيس الفرنسي بعد عودته إلى بلده منتزعا ثلة من الامتيازات والتنازلات من قبل شنقريحة ومن معه، قد يخرج هو كذلك بموقف يزعزع أركان قصر المرادية ومن حولها وما اسبانيا و المانيا عنا ببعيد. وبالتأكيد المناورات الجزائرية الروسية لن تمر على قصر الإليزيه مرور الكرام وغالبا ستكون محل نقاش خلال زيارة ماكرون للجزائر”.