تلكم بعض المحاور التي قررت المساهمة العلمية في النقاش الدائر بخصوصها، مؤكدين أن هذه الدفوعات ليس دفاعا عن الوزير أو حتى عن وزارة العدل، بل هي دفاع عن شروط المحاكمة العادلة … بهذه العبارات ختم وزير العدل مقاله المعنون ب : مشروع قانون المسطرة المدنية بين المشروعية الدستورية والنسق القانوني . و هو المقال الذي نشر بعدة مواقع إلكترونية ، بالموازاة مع مصادقة لجنة العدل و التشريع بمجلس النواب على مشروع قانون رقم 02.23 يتعلق بالمسطرة المدنية ، المقرر عقد جلسة عامة بذات المجلس من أجل دراسته و التصويت عليه يوم الثلاثاء 23 يوليوز 2024 ، و هو المقال الذي يعكس ، من خلال مضمونه ، ما يمكن وصفه بانفعالات نفسية من قبل وزير العدل ، عبر الوقوف المختزل عند مقتضيات مشروع القانون ، بمواده البالغ عددها 643 ، و النقاش الهام المصاحب له منذ ما قبل إحالته على مجلس النواب ، و كذا عدد اللقاءات و الأيام الدراسية التي واكبت مناقشته ، و حجم التعديلات المقدمة بشأنه من فرق الأغلبية و المعارضة ، التي تجاوزت الألف تعديل ، بما يعكس أهمية هذا المشروع و آثاره في بعده القانوني ، الاجتماعي ، و كذا الاقتصادي ، ارتباطا بقواعد سير العدالة و المحاكمة العادلة و ما يرتبط بها . و إذا كان المجال لا يسمح بالوقوف عند ما جاء في مقال الوزير بالرد العلمي الموضوعي ، المؤسس على شروحات تفصيلية ، انطلاقا من الواقع على مستوى الممارسة ، كون الأمر يقتضي قراءة هادئة لمقتضيات مشروع قانون المسطرة المدنية في شموليته ، و بتفصيل دقيق لجميع مواده ، و ليس مرورا اختزاليا يفضح حقيقة اعتبار الوزير المصادقة على النص هدفا في حد ذاته ، دون أي اعتبار لمختلف الملاحظات و التنبيهات ، بل و أجراس الخطر المتربص بالعدالة ببلادنا و المختفي بين ثنايا النص ، المعبر عنها من عدد من الفاعلين الحقوقيين و الممارسين ، و على رأسهم جمعيات هيئات المحامين بالمغرب . فإنه سيكون من المفيد ، في سياق تفاعل أولي مع مقال وزير العدل ، الإشارة إلى ثلاث ملاحظات ، قد تكون شكلية ، لكنها في العمق جوهرية ، و ذات أهمية ، في مغرب يتطلب كثيرا من العقل و التعقل في رسم تحولاته على مستويات متعددة ، خاصة من قبل من يتحمل المسؤولية من موقع حكومي . ــ فكملاحظة الأولى ، ينطلق الوزير ، و في ذلك سبب وصف مقاله بالانفعالات ، من حكم جاهز ، بصيغة الاتهام ، تجاه مختلف التعبيرات و القراءات التي صاحبت المناقشة المرتبطة بمشروع قانون المسطرة المدنية ، عبر وصفها بالشعارات ، بما يعكس ، من جهة ، استمرارا لحضور الذاتية في التعاطي مع الرأي الآخر ، خصوصا هيئات المحامين بالمغرب ، التي يتضح كونها ، بمواقفها و ملاحظاتها و كذا اقتراحاتها ، باتت تشكل عقدة لدى الوزير ، رغم بعض محطات المجاملة ، و الإرادة المعبر عنها في أكثر من مناسبة من أجل التعاون المثمر خدمة للعدالة ببلادنا . و من جهة ثانية ، عدم قدرة الأخير على الإنصات ، أو حسنه ، لجوهر التعبيرات و الملاحظات المعبر عنها ، و التي عكستها التعديلات المقدمة على مشروع القانون أمام لجنة العدل و التشريع ، كتعبير صريح على أهميتها وضرورة الوقوف عندها ، بما يؤسس لقانون جديد قادر على تقديم إجابات عملية لمختلف الإشكالات التي تعيشها المساطر القضائية بمحاكم المملكة ، بدءا من الحق في الولوج للعدالة ، مرورا بآليات تصريف ذات الحق بما يضمن حقوق المتقاضين ، خصوصا التمكن من القواعد القانونية ، المسطرية ، وصولا إلى الأحكام و تنفيذها . ـ و كملاحظة ثانية ، و بحديث الوزير عن احترام مقتضيات مشروع القانون للقواعد الدستورية ، و محاولته الرد على ما وصفه بالادعاءات ، و بيان الإمكانات المتاحة دستوريا للمعارضة من أجل الطعن في القانون أمام المحكمة الدستورية ، و بتذكير الوزير بأن مقتضيات المادة 132 من الدستور ، في فقرتها الثالثة ، تنص على أنه : ” يمكن للملك ، وكذا لكل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وخُمس أعضاء مجلس النواب، وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين ، أن يحيلوا القوانين أو الاتفاقيات الدولية، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، أو قبل المصادقة عليها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور” ، فإنه سيكون من الملفت و المهم ، في سياق ثقة الوزير الكبير في دستورية مقتضيات مشروع القانون 02.23 ، أن يفاجئ المعارضة ، و يطلب من السيد رئيس الحكومة إحالة القانون على المحكمة الدستورية للبت في مطابقة مقتضياته للدستور في إطار المادة 132 المشار إليها أعلاه ، و إن من باب التمرين الدستوري الذي سبق و قام به فريق الأصالة و المعاصرة في الولاية السابقة ، و كذلك حكومة سعد الدين العثماني ، و الذي لا شك، سيحسم النقاش حول كافة المواد المعبر عن ملاحظات بشأنها من جهة ، و يعفي مختلف الفاعلين ، و على رأسهم جمعيات هيئات المحامين بالمغرب من سلوك ما يجب تجاه مشروع القانون ، بما في ذلك اللجوء إلى ملك البلاد من أجل تفعيل مقتضيات المادة 132 من الدستور . ـ و كملاحظة ثالثة ، و أخيرة ، و في علاقة بروح المسؤولية ، و التجرد المسؤول من الذاتية ، هل كان من الضروري تناول مقتضيات خلافية بخصوص مشروع قانون معروض أمام المؤسسة التشريعية ، في مقال مختزل ، بحمولة انفعالية ، من قبل الوزير المعني بالنص المذكور ؟ لم تكن المناقشات المستفيضة بلجنة العدل و التشريع كافية ؟ و لا الأيام الدراسية و الندوات المنظمة هنا و هناك ، و التي حضر الوزير في بعض منها ، و تحدث فيها مطولا ، كافية ؟ و لا حتى اجتماعاته مع الشركاء و الفاعلين في مجال العدالة ببلادنا ؟؟ .. سقط الوزير في فخ انفعالاته ، و فضحت فقرات رسالته الأخيرة طبيعة المرسل إليه : مهنة المحاماة … لأنه يدرك تمام الإدراك أن بابا مشرعا قد فتح مع جهة تعي ، تمام الوعي ، دورها في الدفاع عن حق المواطنات و المواطنين في الولوج للعدالة ، و حقهم في الدفاع ، و واجبها في التصدي لكل التراجعات التي تمس المكتسبات التي جاء بها دستور 2011 ، و التي تمس بصورة بلادنا و التزاماتها الدولية …. للحديث بقية.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...