في ضيافة بعض الأصدقاء، سمعت فنانين من بين المدعوين يتحدثون عن مشاكلهم العامة، ومنها تأخر وزارة الشباب والثقافة والتواصل– قطاع الثقافة، عن صرف الدعم المخصص للمشاريع الثقافية والفنية في قطاعات المسرح والموسيقى والفنون التشكيلية، وإنتاج الموسيقى والغناء وترويجه وتوزيعه، وخصوصا، دعم إصدار الألبومات والفيديوهات الغنائية، والتي يعول عليها الفنان لتداول إنتاجاته وللتواصل مع جمهوره في ظروف جيدة، وفي توقيت مناسب وملائم.
فمن هو المتضرر الأول من تأخر تمويل الإنتاجات الفنية بجهة سوس ماسة ؟ والتي يكون الهدف منها تشجيع المشروعات الثقافية والفنية، وتمكين الفنان من ظروف إبداع وإنتاج وتواصل مع الجمهور العريض تكون جيدة ومريحة وغير متعبة ومرهقة نفسيا وماديا.
إن المتضرر الأساسي يبقى هو جمهور الفنان، الذي يجد نفسه محروما من إنتاجات فنانه المفضل، ومن متعة الاستماع إليها أو مشاهدتها وتتبعها في حينها، في حين أن حرص الفنان، وخصوصا الأمازيغي، على الانتظام في الإنتاج الفني، يجعله حاضرا في وجدان الجمهور، ويجعله كذلك حاضرا في الساحة الفنية بإبداعاته المتجددة، في فضاء عام مشحون بالتنوع والتعدد والمنافسة الحادة والشرسة والمتعددة الوسائط والوسائل، لأن الجديد في الإنتاجات الفنية الجيدة يُبقي صلة الوصل بين الفنان وجمهوره حية ومتقدة ومشعة، وهي الصلة التي تُعتبر محرك الإبداع والخلق والعطاء الفني في كل المشاريع الثقافية والفنية، والوسيلة المثلى للحد من ظاهرة التقليد والتزييف والسرقة والاعتداء على حقوق الملكية الأدبية .
كما أن غياب الفنان المحلي عن الساحة الفنية، وصعوبة الإنتاج المنتظم والجيد يعزز من تحفظ المغاربة على الدعم المقدم للفنانين، نتيجة الحيف في توزيعه وغياب معايير شفافة وموضوعية للاستفادة منه، وصعوبة انتظام توزيعه ومنحه، وطغيان نهجه الانتقائي وممارساته الزبونية، والسياسوية أحيانا، التي تندرج في خانة : ” باك صاحبي ! ” و ” خيرنا، ما ياكلو غيرنا ”
مما يجعل الجمهور المغربي يُعرض عن الإنتاج المحلي ويبتعد عنه ويبحث عن ضالته الفنية في وجهة أخرى، حيث يحظى بالعطاء المنتظم لــــ “صناعة” فنية حقيقية قوية، تحمي حقوق الفنان وتمنحه الأمان والثقة في النفس وتحصنه من مختلف العوائق والصعوبات التي تمس حقل وفضاء الإبداع الفني والثقافي.
فالفنان يبحث عن متعة الفن في العلاقة التفاعلية بينه وبين الجمهور، ويتغذى ويتقوى من عشق وحب الجمهور المتابع له، وبدوام واستمرار العلاقة الوجدانية بينه وبين الجمهور، التي تتأسس على أساسها سمعة الفنان ويرتقي مستواه وطموحه نحو الأفضل. فيما يحصل الجفاء والقطيعة بينه وبين الجمهور، إذا انقطعت سبل التواصل بينه وبين محبيه، ومنع الفنان من سبل التجديد بشكل مستمر، لكي يبقى محفزا لنفسه ومستفزا لطاقته الإبداعية على التجديد والتنويع الفني في جميع مراحل تجربته.
كما أن الفنان الحقيقي والعضوي هو الذي لا يخفي شعوره بالسعادة والامتنان، عندما يتفاعل إيجابيا مع الجمهور، ويصنع تلك اللحظة المتميزة ويختار توقيتها وطريقة تقديمها.
لذا، وجب الانتباه إلى الوفاء بالالتزامات تجاه الفنانين بجهتنا، في وقتها وحينها، حتى يعيشوا في كرامة، ويكونوا مسلحين نفسيا وعاطفيا ووجدانيا وفنيا لتقديم المزيد من العطاء الجميل، خدمة للثقافة والفن، وليفرضوا بصمتهم الإبداعية الخاصة التي تميزهم عن غيرهم، وتكرسهم كفنانين كاملي الأهلية والشخصية.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...