السياسة التي ينهجها المغرب اليوم في دبلوماسيته في خروجه من مناطق الدفاع الى الهجوم بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، جعلت منه مبارز قوي في مباريات النفس الطويل، وعلى رأسها التي لعبت بينه وبين ألمانيا وإسبانيا بأوراق ضغط ثقيلة، أجبرتهم على الاعتراف بمخطط الحكم الذاتي. وكذا الاختراقات الدبلوماسية التي قام بها في دول الانديز وأمريكا اللاتينية، وعدول مجموعة من الدول الافريقية عن موقفهم تجاه قضية الصحراء، جعلتنا نتساءل لما لا يلعب كل أوراقه ويدخر كل جهده للظفر بالعملاقين الروسي والصيني لحجز مقعدهما بين المؤيدين لقضيته الأولى.
يقول الخبير في العلاقات الدولية لحسن أقرطيط في هذا الصدد، “إن روسيا تعتمد على (الهارد باور)، (القوة العسكرية)، ففيما يتعلق مع المغرب ينبغي الإقرار على أنها من الدول التي تعاملت معه بمبدأ براغماتي، من خلال توقيعها على اتفاق الصيد البحري الذي يتعلق بالأقاليم الجنوبية. بمعنى أن هذا الموقف متميز في العلاقة مع بعض الدول الأوروبية، التي حاولت فرض قيود على الشراكة الأورو – مغربية، المرتبطة بالزراعة والصيد البحري على مستوى أقاليم المملكة الجنوبية”.
وأضاف الخبير في تصريح لموقع الأنباء تيفي، “وفي خضم هذا الخلاف المغربي حول قرار محكمة العدل الأوروبية، روسيا وقعت تجديد اتفاق الصيد البحري في هذه المناطق. فالإشكال الذي قد يطرح في العلاقة مع روسيا، هو (الجغرافية السياسية الروسية على مستوى شمال إفريقيا خاصة وإفريقيا بشكل عام)، على اعتبار أن روسيا تتجه نحو التدخل بالمنطقة. وبالنظر الى العلاقات التي تربط روسيا ببعض الدول التي تكن عداء للوحدة الترابية للمملكة، يتطلب على المغرب الأخذ بعين الاعتبار هاته المسألة في تدبير علاقته مع روسيا”.
وتابع أقرطيط، “ينبغي الإقرار على أن روسيا امتنعت عن التصويت داخل مجلس الامن، ولم تستعمل حق الفيتو في قرار 26.02، وهو أخذ بعين الاعتبار لعدم استفزاز المغرب في قضيته الوطنية، وكذا المغرب بدوره امتنع عن التصويت فيما يتعلق بإدانة الحرب الروسية على أوكرانيا. وعلى عكس الدول الأوروبية في العديد من المواقف فإن روسيا مختلفة تماما، فهي لا تعطي مواقف فيما يتعلق بالجبهة الانفصالية، فلا يوجد أي تصريح دعم أو مساندة تجاه الجمهورية الوهمية، فكلا الطرفين يتجنب التوتر في العلاقات”.
وبخصوص الصين قال الخبير لحسن اقرطيط، “إن التعاطي مع الصين يختلف تماما مع روسيا، لكون أن دبلوماسية الصين ناعمة، تعتمد على الاقتصاد بالدرجة الأولى، وبناء شراكة رابح رابح مع الدول الافريقية، وهي الاستراتيجية التي اعتمدتها عبر مشروع (الطريق الحرير حزام واحد طريق واحد). وبالتالي المغرب وجد أرضية سهلة في تعامله مع الصين، من خلال الاستثمارات والمشاريع المطروحة الأن، خصوصا مشروع “tanger tech”، ومجموعة من الصفقات العمومية استفادت منها الصين بالمغرب. وهذا يشكل أرضية مصالح مشتركة يمكن البناء عليها لتحقيق تقارب سياسي ودبلوماسي بين البلدين، وأكثر من ذلك جرد المواقف الصينية المتعلقة بالمغرب”.
وأكمل أقرطيط، “لم تكن أي اصطدامات في علاقات الصين مع المغرب فيما يتعلق بقرارات مجلس الأمن حول الصحراء المغربية، لأنها من الدول التي صوتت على قرار 26.02، وتتجنب إثارة خلاف نقطة سياسية ما. وعلى مستوى القانون الدولي الصيني فإنها تتبنى مفهوم عدم التدخل، وبالتالي هذا مفهوم يلائم الدبلوماسية المغربية، وكذا تبنيها لمبدأ السيادة المعتمد كذلك من لدن دبلوماسية المملكة”.
وختم الخبير كلامه، “فالصين عبرت على رغبتها الكبيرة ليكون المغرب ضمن خارطة الطريق الحرير، لكونه يطل على واجهتين بحريتين، وكذا قوة جذب لاستثمارات أجنبية. والصين جغرافيا تعتبر الانفصالية خطر محدق، بالنظر الى قضية تايوان وغيرها. فهي تخشى خطورة الحركة الانفصالية وواعية بها، وكانت من الدول الأولى التي عارضت ما يسمى بواجب التدخل لدواعي حقوق الإنسان الذي تكلم عنه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر”.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...