أطلقت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة قبل أسابيع ورش مراجعة البرامج والمناهج، وتطلق اليوم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار طلب عروض جديد لاعتماد مسالك التكوين والبحث على مستوى سلك الإجازة والدكتوراة ولاحقا على مستوى إصلاح سلك الماستر والماستر المتخصص وذلك في إطار مخطط تسريع إصلاح التعليم العالي، وأطرت لذلك بمذكرة وضعت إطارا توجيهية عاما واجراءات ذات الصلة باقتراح هذه المسالك وتحيينها.
وفي هذا السياق شرعت مختلف الشعب على صعيد جميع المؤسسات في مناقشة فحوى المذكرة العامة وبنيات المسالك التي اقترحتها الوزارة لتقديم طلبات الاعتماد الجديدة اوتحديد المسالك القائمة، وسط طرح جملة من الاسئلة في تعاطي الأساتذة مع مضمون هندسة المسالك المقترحة من الوزارة قبل أن تؤطر بدفاتر الضوابط البيداغوجية التي لا تزال حسب مذكرة الوزارة نفسها في طور الدراسة والمصادقة في لجنة تنسيق التعليم العالي.
وإذا كان طرح هذه الاسئلة والجواب عنها موكول الى تعامل الأجهزة البيداغوجية داخل الشعب والمؤسسات الجامعية في إطار استقلاليتها مع توجهات الوزارة لتسريع تنزيل الاصلاح ومدى تفاعل الوزارة معها، فإن سؤال الإطار القانوني لهذا العرض البيداغوجي الجديد برمته يطرح نفسه بإلحاح قبل إثارة الاسئلة ذات الصلة بمضامينه.
ذلك أن هذا الإصلاح المرتقب تنزيله يأتي في ظل متغيرات قانونية وبيداغوجية مهمة تعرفها المنظومة التربوية المغربية برمتها ومنها صدور القانون الإطار 17-51، والذي يتضمن في المادة 12 منه التوجهات العامة الجديدة في المنظومة البيداغوجية بصفة عامة ومنها منظومة التعليم العالي والتي تدعو بخصوصها الى اعتماد تكوينات مبتكرة وإدماج تكنولوجيا الاعلام والاتصال في جل التكوينات ومد الجسور بين المسالك والتخصصات، وتعزيز انفتاح الجامعة على محيطها الجهوي والوطنية والدولي، وعلى سوق الشغل، وحددت في المادة 32 توجهات خاصة بلغات التدريس وتدريس اللغات بالتعليم العالي والتي تلزم جميع المسالك بالانتفاخ على اللغات و بإدماج وحدة تدرس باللغة العربية في جميع التخصصات ومنها التخصصات العلمية والتقنية، وغير ذلك من المقتضيات القانونية العامة الملزمة التي تفرض تكييف دفاتر الضوابط البيداغوجية مع مقتضيات القانون.
وفي سياق التنفيذ حدد القانون الإطار في المادتين 28-29 منه آليات تأطير وتنزيل هذه المقتضيات فأوكل هذه المهام الى اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج المحدثة بموجب المرسوم رقم 2.20.473 والذي يحدد هيكلتها ومجموعات العمل المحدثة لديها وكيفيات سيرها.
وتضم هذه اللجنة من بين لجنها التخصصية مجموعة عمل مختصة في التعليم العالي، منا يعني أن صدور هذا المرسوم ينهي عمليا الصلاحية القانونية للجنة تنسيق التعليم العالي.
إلا أن هذا المرسوم الذي صدر الامر بتنفيذه في الجريدة الرسمية عدد 70.24 بتاريخ 23 شتنبر 2021 لا يزال معطلا، وهذه اللجنة لم تر النور لحد الساعة مما يجعل الاشتغال بأي إصلاح بيداغوجي في كل قطاعات المنظومة غير مؤطر بموجب مقتضيات هذا القانون، في غياب هذه اللجنة التي أوكل إليها القانون بموجب المادتين سالفتي الذكر مهمة والمرسوم التطبيقي المتعلق بهما، إعداد الإطار المرجعي للمناهج، والدلائل المرجعية للبرامج والتكوينات في مختلف مكونات المنظومة والسهر على تحيينها وملاءمتها، وإعداد الدلائل المرجعية التي تتضمن الضوابط البيداغوجية العامة لمختلف المسالك وعرضها على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لإبداء الرأي بشأنها قبل وضعها في مسارها التشريعي ، ووضعها خبز التنفيذ.
وعليه فإن السؤال المركزي الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم يتعلق بمدى قانونية إطلاق العملية برمتها، في غياب هذه الآلية القانونية الجديدة ووثائقها ودلائلها المرجعية المؤطرة للإصلاح البيداغوجي وجوبا، وذلك قبل الدخول في مناقشة تفاصيل المضامين المقترحة في جميع تخصصات الإجازة والتي كان من الطبيعي أن تثير تساؤلات لدى الأساتذة في غياب هذه الأطر القانونية الناظمة، التي تعطي رؤية واضحة عن الإصلاح الجديد وفلسفته ومقتضياته وأطره المرجعية التنفيذية القانونية،
فهل تعمل القطاعات الحكومية الفاعلة في المنظومة التربوية ومنها قطاع التعليم العالي على أخذ مزيد من الوقت حتى تؤطر إصلاحاتها البيداغوجية المهيكلة بمقتضيات القانون الذي أصبح بموجب صدوره وصدور النصوص التطبيقية ذات الصلة بتنفيذ مقتضياته الإطار القانوني الوحيد الملزم الذي يقطع مع الإصلاح والإصلاح كما جاء ذلك على لسان جلالة الملك حفظه الله حتى نكون أمام عمل مؤسساتي منظم؟
ذلكم هو السؤال الجوهري الذي يطرحه المتتبعون لمسار تنزيل إصلاح التعليم ببلادنا كلما فتح ورش من اوراشه الكبرى، قبل الدخول في التفاصيل الاجرائية والتنظيمية الفرعية.
*أكاديمي
*كاتب الدولة السابق لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...