رحاب: سنستمر في الترافع من أجل صياغة مدونة "تقدمية"

قالت حنان رحاب، رئيسة منظمة النساء الاتحاديات، أن اقتراح تعديلات على مدونة الأسرة ترضي كافة الأطراف المتدافعة، وأن مسك العصا من الوسط في هذا الصدد، ينبغي ألا يكون على حساب حقوق أطراف العلاقة الزوجية، سواء كانوا أزواجا او متزوجات، وبالخصوص الأطفال.

وفي هذا الصدد، كشفت رحاب في حوار مع موقع الأنباء تيفي، الدور الذي لعبته منظمة النساء الاتحاديات ومجموعة من الهيئات النسائية في بلورة باقة من المقترحات التي تهم مدونة الأسرة، مؤكدة على أن المنظمة ستواصل الترافع من أجل مدونة تقدمية، وهي التفاصيل التي نكشفها في الحوار أسفله:

مع نهاية 2024، واقتراب السنة الجديدة، كيف تقيمون أداء منظمة النساء الاتحاديات خلال السنة المنصرمة، بالنظر إلى أن الكثير من الأوراش التي لها علاقة بالنساء، تمت مباشرتها، وفي مقدمتها إصلاح مدونة الأسرة؟

أعتقد، أن أي متابع موضوعي لعمل المنظمات النسائية لا يمكنه أن يغض البصر عن الدينامية التي اشتغلت بها منظمة النساء الاتحاديات، وهي دينامية ملحوظة منذ المؤتمر الأخير قبل ثلاث سنوات. ولكن بالفعل، عرفت هذه الدينامية المتواصلة تطورا خلال هذه السنة، ولا نخفي أن ذلك ارتبط في شق كبير منه بالنقاش المجتمعي حول التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة، إذ لا يمكن أن نستمر في وتيرة العمل المألوفة رغم أنها كانت مطبوعة بزخم نضالي وترافعي وتكويني مهم، في ظل وجود تدافع داخل المجتمع حول قانون سيرهن إحدى الأنوية الأساسيةـ والتي تضطلع داخلها المرأة بأدوار مركزية، سواء تم الاعتراف بها، أو لم يتم ذلك، ونقصد بطبيعة الحال: الأسرة.

وهكذا نظمنا مجموعة من جلسات الاستماع للنساء بخصوص انتظاراتهن بخصوص المدونة، على ضوء التجارب التي عشنها، ونظمنا كذلك لقاءات ترافعية لصالح المذكرة التي قدمناها للجنة المكلفة باقتراح التعديلات على المدونة الحالية، وهي اللقاءات التي أطرها خبراء قانونيون وكفاءات في الصحة والاقتصاد وفاعلون مدنيون في الحماية والدعم الاجتماعيين.

وإلى ذلك، فإن منظمة النساء الاتحاديات لم يقتصر عملها لهذه السنة على موضوع مدونة الأسرة فقط، بل اشتغلنا على ملفات أخرى تكتسب طابع الراهنية، ولا أبالغ إذا قلت إن بعضها كان لنا قصب السبق في إثارة الانتباه لها من مثل: النساء المكلفات برعاية الأشخاص في وضعية إعاقة، سواء كن أمهات أو زوجات أو أخوات أو بنات، وكذلك وضعية نساء الجبل، واللواتي لهن وضعية خاصة، لا يتم الالتفات لهن للأسف، رغم أنهن حلقة أساس في استميرارية نمط اجتماعي وثقافي في مناطق وجودهن.

وواصلنا العمل في إطار الورشات التي نعتبرها مفتوحة، والتي تتغير تجلياتها دون أن يتغير جوهرها، من مثل العنف ضد النساء، وفي هذا الإطار اشتغلنا هذه السنة على ثلاثة أشكال من هذا العنف/ العنف الرقمي، والعنف في المجالس المنتخبة / العنف الأسري ضد الفتيات.

ما دمت أثرت موضوع المدونة، والذي يحظى باهتمام الرأي العام المغربي، نريد أن نعرف موقفكم من التعديلات التي تم الإعلان عنها؟

أود الإشارة بداية، أن أي تقييم لما تم الإعلان عنه لحدود اللحظة، يبقى تقييما أوليا، باعتبار أن السيدين وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، لم يذكرا كل التعديلات، ولم يفصلا فيما تم الإعلان عنه، وباعتبار أن الصياغة النهائية لهذه التعديلات لم تتم بعد، والتي هي من مهام الحكومة، وحتى هذه الصياغة قابلة لإدخال تعديلات أخرى عليها، بعض عرضها للمصادقة النهائية في البرلمان، وبالتالي فمن السابق لأوانه الحديث وكأن ما تم الإعلان عنه هو نهائي.

الملاحظة الثانية، والتي نعتبرها عيبا منهجيا، والذي للأسف يتكرر في مقاربة العديد من القضايا التي تكون موضوع تقاطب مجتمعي أو سياسي، كما في التعليم والقانون الجنائي وغيرهما، هو السعي إلى مسك العصا من الوسط، ومحاولة إرضاء كل الأطراف المتدافعة، وفي النهاية لا يتم إرضاء أي طرف.

وهذا هو الحاصل فيما تم الإعلان عنه من تعديلات مقترحة، إذ يبدو وكأن الهاجس هو إحداث نوع من التوازن بين التعبيرات الحداثية والأخرى المحافظة، أو هو محاولة تمرير التعديلات دون أن تكون هناك مقاومات كبيرة داخل المجتمع، وخصوصا من الاتجاهات الأصولية.

طبعا، نحن كذلك نتمنى أن تكون التعديلات مرضية للجميع، وأن لا تكون مقاومات لا في إقرارها ولا في تنزيلها، لأن الأمر مرتبط بالأمن المجتمعي والأمن الأسري، ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب حقوق أطراف العلاقة الزوجية، سواء كانوا الزوجات أو الأزواج، وبالخصوص الأبناء.

ومن جهتنا، وقد أوضحنا ذلك في الندوة الصحفية التي نظمناها بعد ندوتي وزيري العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية، وبعد بلاغ الديوان الملكي، فإننا ثمنا خارطة الطريق التي رسمها الملك، لأنها تجمع بين البعدين التشاركي والتمثيلي، أي أنه كان هناك إشراك لكل المتدخلين في قضايا الأسرة والنساء والطفولة: أطراف حكومية/ حزبية/ مدنية/ دينية/ حقوقية/ مؤسساتية/ خبرات، ثم إشراك المجلس العلمي الأعلى لأخذ رأيه الاستشاري في بعض القضايا التي لها تماس مع أمور فيها آراء فقهية رائجة، وهو رأي استشاري وغير ملزم، وصولا إلى المحطة الأخيرة، والتي ستبدأ قريبا، أي مشروع قانون ينسخ أحكاما سابقة في المدونة الحالية، ويستبدلها بأخرى، وبعدها المصادقة البرلمانية، وبالتالي فإن خارطة الطريق هذه تعبر عن العقل الجماعي المغربي، وفي النهاية سنمتلك مدونة للأسرة شارك الجميع في بلورتها، وهذا طريق للتملك الجماعي.

أما بخصوص ما تم الإعلان عنه لحدود اللحظة من تعديلات مقترحة، فثمة تعديلات فيها استجابة لما طرحته مذكرتنا، ولما طرحته كذلك مختلف القوى النسائية والديموقراطية، من مثل النيابة المشتركة للأم والأب على الأبناء، واحتساب العمل المنزلي في تثمين الثروة المكتسبة أثناء الزواج، واحتفاظ الأم بالحضانة بعد زواجها، واحتفاظ الزوج أو الزوجة ببيت الزوجية بعد وفاة أحدهما، وعدم احتسابه في التركة خلال حياة أحدهما دون الآخر، وفي المقابل أبدينا تحفظنا على بعض الأمور من مثل رفض الخبرة الجينية لإثبات النسب، واستمرار إباحة زواج القاصرين ولو أنه تم رفع السن إلى حدود 17 سنة، واستمرار التعدد.

هل يمكن القول، مجازا، أنكم خرجتم متعادلين؟

الأمر بالنسبة لنا، ليس من هو المنتصر؟ هل الحركة النسائية وعموم الديموقراطيين والتقدميين أم التوجهات الأصولية والمحافظة؟.

الذي يهمنا هو انتصار المجتمع في إقرار مدونة منصفة لجميع أفراد الأسرة، إذ من شأن التماسك الأسري أن يكون مساهما إيجابيا في تنمية المجتمع.

ونحن نعتبر أن الأمور ليست محسومة لحد الآن، فإذا كنا نقدر المجهود الذي بذل لحد الآن، فإننا نعتبر أن المسار لم ينته بعد، وسنستمر في الترافع من أجل صياغة أكثر تقدمية، وسنواصل الترافع كذلك حين سيتم وضع التعديلات في البرلمان، ونعتقد أن ملك البلاد حين اختار هذه المنهجية، لم يكن غرضه هو أن يصفق الجميع للتعديلات المقترحة من طرف اللجنة المكلفة بذلك، وإلا لكان اكتفى بها وأصدرها في ظهير شريف، ولكنه كان يراهن على مدونة نابعة من التداول الديموقراطي، ومنسجمة مع هيكلية نظامنا السياسي ومع أحكام دستور الملكة، ولذلك فنحن احتراما لمؤسسات البلد، وفي مقدمتها المؤسسة الملكية، واحتراما لتعاقداتنا، واحتراما لمذكرتنا التي هي مجهود جماعي لمناضلات حزبنا ومنظمتنا.