؛
“التعذيب” ليس مجرد جريمة عادية، إنه عمل وحشي يجرد الإنسان من آدميته. ولذلك فإن الانتماء إلى الإنسانية يرفضه، لما يمثله من مهانة واستباحة لكرامة البشر. كما أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تحظره وتدعو إلى محاسبة مرتكبيه. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو صرخة من شعوب الأرض نحو الضمير الإنساني، نص في مادته الخامسة على منع “إخضاع الإنسان للتعذيب ولا المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة”.
كما أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية منع إخضاع أي فرد للتعذيب في المادة 7.
قبل أن يتوصل المجتمع الدولي إلى التوافق على الاتفاقية الدولية لمكافحة التعذيب في 10 دجنبر 1984، (أي في مثل هذا اليوم منذ 35 سنة). والتي تولت تعريف التعذيب وحددت التزامات الدول الأطراف في مكافحته ومحاسبة مرتكبيه.
حضرات السيدات والسادة؛ إن المملكة المغربية العضو النشيط في المج
تمع الدولي، التزاماً بتعهداتها الدولية، ولاسيما المنبثقة عن مصادقتها على اتفاقيات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب (21 يونيه 1993)، وإيماناً منها بأهمية تعزيز حقوق الإنسان وحماية الحرمة الجسدية، جعلت مناهضة التعذيب مقتضى دستورياً، نص عليه الفصل 22 من الدستور المغربي. الذي جاء فيه أنه “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون”.
وتفعيلا للالتزامات المملكة المغربية بموجب الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، تعمل بلادنا على تقديم تقاريرها الوطنية أمام لجان الرصد المحدثة بموجب هذه المعاهدات، وتتفاعل مع التوصيات الصادرة عنها. كما تقوم بالتفاعل مع آليات المساطر الخاصة التابعة للأمم المتحدة، من خلال استقبال العديد من الإجراءات الخاصة. نذكر منها (المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وفريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي).
كما عملت بلادنا على استقبال اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب. وأنشأتْ الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إطار مهامه الحمائية، وذلك تفعيلا للالتزامات التي يفرضها البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب.
وفي هذا السياق الوطني المزدحم بالإنجازات الحقوقية التي أعقبت الإجراءات المغربية العملاقة التي تمت برسم العدالة الانتقالية، انخرطت النيابة العامة، منذ سنوات في البرنامج الحقوقي الوطني، الرامي إلى الوقاية من التعذيب ومناهضته. وهي جهود مستمرة إلى الآن، التزمت بها رئاسة النيابة العامة منذ أول يوم تأسست فيه. حيث تضمن المنشور الأول لرئيس النيابة العامة الالتزام بوضع مناهضة التعذيب ضمن أولويات السياسة الجنائية. وهو ما عكسته التقارير الدورية لرئاسة النيابة العامة، بتخصيصها محوراً خاصاً بالمعالجة القضائية لقضايا التعذيب. وفي نفس السياق، وجهت رئاسة النيابة العامة بمناسبة تعين أعضاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، الدورية عدد 44 بتاريخ 16 أكتوبر 2019، إلى المسؤولين القضائيين عن النيابات العامة، لحثهم على التفاعل الإيجابي مع الآلية المذكورة.
وتحرص النيابة العامة على التنفيذ الصارم للمقتضيات القانونية المتعلقة بمكافحة التعذيب والوقاية منه، من خلال الزيارات التفقدية لأماكن الاعتقال المختلفة. وكذلك من خلال التشدد في تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بإخضاع الأشخاص المقدمين إليها بعد الحراسة النظرية لفحص طبي، كلما تم طلب ذلك، أو إذا لوحظ على الشخص ما يستوجبه. بالإضافة إلى القيام بأبحاث في جميع الشكايات المقدمة إليها من أجل التعذيب، تفعيلا للمادة 12 من اتفاقية منع التعذيب.
حضرات السيدات والسادة؛
تعمل رئاسة النيابة العامة على توفير تكوين عالي الجودة لأعضائها بشأن محاربة التعذيب والإلمام بتقنياته، من خلال إشراكهم في عدة ندوات ومؤتمرات وأيام دراسية، يؤطرها عادة خبراء مختصون. واليوم وبمناسبة الذكرى الواحدة والسبعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والخامسة والثلاثين لاعتماد اتفاقية مناهضة التعذيب من طرف منظمة الأمم المتحدة، تتشرف رئاسة النيابة العامة، بأن توفر لقضاتها، ولعموم قضاة المملكة، ولمختلف الفاعلين في مجال العدالة، دليلا استرشاديا. يرمي إلى توفير المعلومات الحقوقية والقانونية المتعلقة بمكافحة التعذيب، وتوضيح الإجراءات المسطرية التي يتم اتباعها للبحث في ادعاءات التعذيب، وسيكون هذا الدليل ضمن التعليمات القانونية الكتابية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 110 من الدستور، التي تلزم قضاة النيابة العامة باتباعها.
وينقسم الدليل إلى خمسة محاور :
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...