أنس سعدون
دكتور في الحقوق عضو نادي قضاة المغرب دخل قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء حيث حيز التنفيذ في سبتمبر 2018، بعد انتظار طويل، ومسار تشريعي حافل بالنقاش، وقد تضمن العديد من المستجدات، منها وضع إطار مفاهيمي جديد لتعريف كل أشكال العنف ضد المرأة بما في ذلك العنف الجسدي، والجنسي والنفسي والاقتصادي. هذا، فضلا عن تجريم مجموعة من الأفعال التي لم تكن مجرمة من قبل، من بينها الطرد من بيت الزوجية أو الامتناع عن ارجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية؛ والتحرش الجنسي في الفضاءات العمومية والفضاء الرقمي، والاكراه على الزواج و تبديد أو تفويت الممتلكات الخاصة بسوء نية اضرارا بالأسرة فضلا عن تشديد العقوبات على أفعال كانت مجرمة من قبل، من أبرزها عقوبة العنف اذا ارتكبت ضد امرأة بسبب جنسها أو ضد امرأة حامل اذا كان حملها بينا، أو معلوما لدى الفاعل، أو في وضعية اعاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية، أو اذا ارتكبه الفاعل ضد شخص له ولاية أو سلطة عليه أو مكلف برعايته، أو ضد طليق أو بحضور الأبناء أو أحد الوالدين. احصائيات مقلقة لكنها مشجعة تشير إحصائيات رئاسة النيابة العامة الواردة في تقريرها لسنة 2019 حول حصيلة تطبيق قانون العنف ضد النساء الارتفاع المتزايد لعدد القضايا المسجلة في النيابات العمومية، ورغم أن ذلك يبعث على القلق ويسائل الجهود المبذولة لمحاصرة هذه الظاهرة بعد سنوات من الحملات التحسيسية، إلا أنه معطى يمكن أن يكون له مدلول إيجابي، حيث ينم على تشجيع التبليغ عن هذه الجرائم التي ظلت الى وقت قريب تدخل ضمن الطابوهات مما ينم عن بدء تشكل وعي مجتمعي بخطورة هذه
الظاهرة بعد عقود من التطبيع معها، علما بأنه يبقى هناك رقم أسود لهذه الجريمة، يتمثل في عدد كبير من القضايا التي لا تصل الى علم السلطات المكلفة بانفاذ القانون نتيجة عراقيل ثقافية اجتماعية اقتصادية ونفسية تحول دون التبليغ عن هذه الجرائم . اكراهات تواجه التطبيق من أهمها عدم توفير مراكز الايواء التي وان كانت موجودة في بعض الدوائر الاستئنافية الا انها لا تتوفر في كافة المناطق، كما أن هناك نقص في المعلومات المتعلقة بالوصول الى مراكز الايواء، فضلا عن الإشكاليات المتعلقة بصعوبة الوصول الى المساعدة القانونية والقضائية في ظل العراقيل المركبة التي تحول دون ولوج العديد من الفئات الهشة الى الحق في العدالة، كالأمية والفقر واختلال العدالة المجالية. كما يطرح اشكال عدم التحسيس بمقتضيات القانون الجديد خاصة تدابير الحماية التي تم التنصيص عليها مثل ابعاد المعنف من بيت الزوجية، ومنعه من الاتصال بالضحية او الاقتراب منها، مع تجريم أي خرق لهذا التدبير، فهذا المقتضى الجديد ورغم أهميته في حماية الناجيات من العنف يبقى محدود التطبيق. ويبقى وصول النساء المعنفات الى التعويض المدني العادل محدودا في غياب صندوق يحل محل المحكوم عليهم العاجزين عن أداء المبالغ المحكوم بها، مما يحول دون وصول عدد كبير من النساء المعنفات الى حقهن في الانتصاف. توصيات أخيرة ينبغي التعجيلبالمصادقة على اتفاقية مجلس أوروبا للوقاية من العنف ضد النساء والعنف المنزلي ومكافحتهما المعروفة باتفاقية إسطنبول، والتي تقدم عدة مقتضيات مهمة لتعزيز الترسانة التشريعية الوطنية. كما ينبغي التعجيل بإدخال الإصلاحات التشريعية اللازمة لضمان ملاءمة النص الجنائي الوطني مع الالتزامات الدولية وعلى رأس هذه الإصلاحات مراجعة الإطار المفاهيمي لجريمة الاغتصاب في القانون الجنائي والذي يبقى متخلفا عن المعايير الدولية ذات الصلة، خاصة وأن القانون ما يزال يصنف هذه الجريمة، ورغم خطورتها كاعتداء على نظام الأسرة والأخلاق، ولا يتعامل معها كانتهاك لحق الفرد في السلامة الجسدية، كما ينبغي أن يشمل هذا الإصلاح تجريم الاغتصاب الزوجي أيضا. من جهة أخرى لا بد من توسيع نطاق الخدمات المقدمة الى النساء المعنفات لتشمل المساعدة القانونية والقضائية بقوة القانون، ومجانية التنقل الى المحاكم عبر وسائل النقل العمومية، ومجانية التطبيب، كما ينبغي تشجيع التبليغ عن طريق اعتماد وحدات للتبليغ عن قرب في الأحياء بالمدن وكذلك بالقرى، كما ينبغي اخراج صندوق دعم الضحايا الناجيات من العنف، والإسراع بإحداث مراكز الايواء، مع ضرورة نشر الأحكام القضائية المبدئية في مجال حماية وانصاف النساء المعنفات وزجر المعنفين لما لذالك من دور في النهوض بثقافة حقوق الانسان .
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...