إن كنت من أبناء منطقة إداوباعقيل مستقرا فيها أو مهاجرا داخل الوطن أو خارجه فحتما تنتظر بفارغ الصبر الأسبوع الأول من شهر غشت من كل عام حيث تنطلق طقوس “معروف الوالدين”، مناسبة أمازيغية عريقة توارثت من السلف إلى الخلف، هدفها الأسمى ربط صلة الوصل بين الأحباب والعائلات وأبناء دواوير المنطقة، وكل دوار له تاريخ محدد متفاوت مع باقي الدواوير.
“دوار ميرا كمثال” عند السابعة صباحا، أمام مسجد الدوار، نجد هناك الإمام، الجزار، ورجال “ميرا” المتفرجين منهم والمتصدقين بمال أو ثور أو خرفان…، ويبدأ الإمام بالدعاء عقب انتهاء الجزار من الذبح و”التشفية”، فيما الأطفال يلهون ويلتقطون الصور مع الذبائح، فبعد هاته المرحلة يتم نقل اللحوم الى المسجد بعد تقطيعها والتوجه مباشرة نحو المقبرة للدعاء وقراءة القرءان على كافة الموتى وعليه سمي الإسم بمعروف الوالدين. بعد الفطور داخل المسجد الذي تتعالى فيه أصوات تلاوة القراءن والأذكار طيلة اليوم، ينقسم الرجال الى فريقان، فريق الطباخين والأخر خوادم، يقوم هذا الأخير بتقسيم اللحوم حصة تقدم للطباخين ليباشروا مباشرة في تحضير الغذاء، وحصة توزع حسب “كل أسرة على حدة” تحت مفهوم “تاكات”، بغية تجهيز وليمة الليل.
ولكي لا أتعمق في المفهوم، ببساطة “تاكات” تعني الفرن التقليدي الطيني، وأي منزل يتكون من أب وولدين متزوجين تقاس كل أسرة منهما ب “تاكات” أي في المجموع، المنزل له ثلاث “تكاتين”. “طقوس النساء” تجتمع النساء أمام أقدم منزل بالدوار محملن بالعديد من الفشار “تيروفين”، الحلويات “إروان”، المكسرات “الفاكية”، كصدقة يقمن بتوزيعها على الأطفال وكذا طهي الخبز “بتفرنوت” مع إعداد طاولة شاي وهن يرتلن سورة الفاتحة إلى حين وصول حصة اللحم. وقبيل تحضير الغداء يجب التوافق على أمرين، إما تحضير الأكلة بجزء من حصة الذبيحة أو متبرع يقوم بشراء لحم خاص بالوجبة، وترك الغير المتوافق عليه للساعة الثالثة بعد الزوال لاستهلال تهييئ وليمة الليل “أحراراي”، المتعارف عليه عند جميع الدواوير بكسكس الشعير باللحم وزيت الأركان. “مساء أحراراي” بعد صلاة العشاء في فسحة المسجد الواسعة، الممتلئة بسكان دواوير قبيلة إداوباعقيل، مشكلين مجموعات يتبادلون أطراف الحديث منتظرين مجيئ سيارة من النوع الكبير، محملة بما يزيد عن أربعين طبق “تيزلافين” من أحراراي، وحين قدومها كانت أكثر جملة تستوقفني من الغرباء حينما كنت يافعا هي “يوس نميت أتكيت؟”، إبن من أنت؟، أجيب بكل براءة أنا إبن فلان؟، حينها أرى عيونه تتوسع فرحا متسائلا أين أباك “منزا باباك منزات”، بعدها يلتقيان وكأنهما لم يلتقيا منذ أن كانا يافعان في مثل عمري. جاءت السيارة وفرقت الأطباق، أكل الناس الوليمة، فلم يبقى سوى الدعاء وطاولة شاي لمن أرادوا السهر لحلول الصباح وتتنتهي نوبة الدوار المستضيف وانتظار الليل لشد الرحال لدوار أخر، فالفقر المدقع جعل من أناس سابقا ينتظرون حلول موسم “المعاريف”، ليحيي الصلة مع اللحم الذي فارقه طيلة العام.
“من يوم إلى ثلاث أيام” رغم قيمة الموروث الذي خلفه الأجداد، إلا أنه في السنوات الأخيرة لم تعد بعض الساكنة تعيره اهتمام، نظرا لظروف العمل الحالية والدراسية وباقي العوامل الأخرى، لكن دوار ميرا عن طريق جمعيته، أخذ البادرة وفكر في حلول لإخراج المعروف من نمطيته. ربطت الإتصال بالرئيس السابق لجمعية ميرا للإصلاح والتنمية والتعاون ملتمسا منه معلومات حول الإضافات التي قامت بها لتطوير مناسبة معروف الوالدين. وأفاد أن، “إنطلاقا من سنة 2019 وبغض النظر عن الأنشطة التقليدية للمناسبة، قامت الجمعية بأنشطة ثقافية ورياضية وغالبيتها تستهدف الأطفال، منها الصباحية كسباق الجري لجميع الفئات ودوري كرة القدم للفئة الصغرى، خرجة للمسبح البلدي بتزنيت زيارة وتكوين في السباحة لمن أراد ذالك على يد محترفين بالميدان، وورشة حناء بالنسبة للبنات، وأما المسائية تقوم الجمعية بسهرة غناء، وحفل تكريم للتلاميذ والطلاب المتفوفقين دراسيا وللنساء المساهمين بالحفل وتسليم الجوائز لجميع المشاركين بالأنشطة الصباحية بدون اسثثناء، لأن من فاز فقد أدرك نشوة تحقيق الأهداف ومن لم يدرك ذالك فقد تذوق طعم تحقيق جائزة، وهو مايحفزه للمرة المقبلة”. وهو ماجعل المناسبة تحضى بالإقبال الغفير مجددا لعيش أطوار المعروف، وحسرة لمن لم يكن جزءا من الحضور والاكتفاء فقط بكتابة مقال مستحضرا فيه أجواء هاته المناسبة وانتظار تاريخ العام المقبل.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...