على مدى العقدين الأخيرين، رسخ المغرب مكانته كوجهة مفضلة للاستثمار في صناعة الطيران، والتي تجمع بين الجودة والتنوع والتنافسية. وبفضل الرؤية المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، أصبح قطاع الطيران المغربي نموذجا حقيقيا للابتكار والأداء والتميز.
وفي هذا السياق، ظهرت وتطورت مهن جديدة ذات قيمة مضافة عالية، تشمل مجالات متنوعة كصناعة الكابلات والميكانيكا الدقيقة وتصنيع المعادن واللوازم التركيبية وتركيب هياكل الطائرات وتصنيع أجزاء محركات الطائرات. ونتيجة لذلك، تم اختيار المغرب من قبل رواد القطاع العالميين كوجهة أساسية لتوطين استثماراتهم الاستراتيجية.
وفي إطار هذه الديناميكية المتنامية، أدرج المغرب الانتقال الطاقي في صلب خطط تنمية قطاعه الصناعي، وعلى الخصوص صناعة الطيران.
وإدراكا منها للتحولات الجارية، اعتمدت المملكة مقاربة استباقية بغرض تكييف صناعاتها مع التوجهات العالمية الجديدة، سعيا منها إلى أن تصبح منصة إقليمية للإنتاج الصناعي الخالي من الكربون.
وفي هذا الصدد، التزمت المملكة، الرائدة في مجال الانتقال الطاقي على الصعيد الإفريقي، بإنتاج أكثر من نصف حاجاتها من الكهرباء بالاعتماد على الموارد المتجددة في أفق 2030. ويتوخى هذا الطموح تزويد القطاع الصناعي بطاقة نظيفة وتنافسية، فضلا عن تعزيز جاذبية المملكة كمنصة للإنتاج الصناعي.
وصناعة الطيران مدعوة بشكل خاص إلى الاستفادة من هذه الديناميكية عبر توطيد مكانتها في المشهد الدولي وتسريع انتقالها نحو إنتاج أكثر استدامة.
ودعما لهذا الطموح، أحدث المغرب إطارا تنظيميا تحفيزيا مشجعا للاستثمار في مجال الطاقات المتجددة لإزالة الكربون من نسيجه الصناعي.
ويعتبر القانون 82.21 حول الإنتاج الذاتي، والذي تمت المصادقة عليه في سنة 2022 أبرز نموذج على ذلك.
ويتيح هذا القانون للمقاولات الصناعية، تغطية يمكن أن تصل إلى غاية 100 في المائة من احتياجاتها الطاقية انطلاقا من الموارد المتجددة، والمساهمة من خلال ذلك في تخفيض بصمتها الكربونية وفي خلق اقتصاد أكثر استدامة.
وتمكنت العديد من مقاولات صناعة الطيران من اجتياز هذه الخطوة عبر الانخراط في تحقيق أهداف المملكة الرامية إلى تطوير صناعة نظيفة خالية من الكربون ومسؤولة بيئيا.
وتعد شركة نيكسانس المغرب(Nexans Maroc) من المقاولات الأولى التي جسدت هذا الالتزام اتجاه الاستدامة ونزع الكربون. فقد أقامت الشركة في موقعها الإنتاجي محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، بقدرة سنوية تصل إلى 4 جيغاواط ساعة، والتي مكنتها، في الوقت ذاته، من تعزيز تنافسيتها، وتخفيض فاتورتها الطاقية والمساهمة في تقليص تأثير التغيرات المناخية.
وبدورها التزمت شركة سفران ناسيل المغرب(Safran Nacelles Morocco)، الفرع المحلي للمجموعة العالمية سفران، بالمساهمة في الحياد الكربوني. وقامت الشركة، التي تعد رائدا وطنيا في النجاعة الطاقية، بإنشاء محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، مزودة بـ3000 لوحة كهروضوئية ، والتي تم تثبيتها في إطار التوسعة الجديدة وفي موقف السيارات.
ومن خلال توفير طاقة إنتاجية تصل إلى 1.69 ميغاواط، تتوخى هذه المحطة الكهروضوئية تلبية 20 في المائة من احتياجات المصنع الطاقية، ومن خلال ذلك، ضمان تخفيض مهم لانبعاثات ثنائي أكسيد الكربون بأكثر من 2000 طن في السنة.
ويتواجد الطيران بدوره، الذي يعد من القطاعات الرئيسية للاقتصاد المغربي، في صلب هذا الانتقال الطاقي.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب قد انخرط في المباحثات الاستراتيجية حول تطوير واعتماد الوقود المستدام في الملاحة الجوية، والذي يندرج في إطار السعي إلى إحداث تكنولوجية القطيعة بهدف تقديم بديل نظيف للوقود الأحفوري.
ومن خلال نسج شراكات مع فاعلين دوليين من المستوى الأول، تصبو المملكة إلى أن تصبح رائدا عالميا في مجال إنتاج الوقود المستدام الموجه للملاحة الجوية، مع استكشاف جميع الإمكانيات التي يتيحها الوقود الاصطناعي لإزالة الكربون من القطاع الجوي.
وفي هذا الإطار، قطعت شركة الخطوط الجوية الملكية المغربية منعطفا تاريخيا بإطلاق أول رحلة تجارية في إفريقيا مُسَيَّرة جزئيا بالوقود المستدام في الملاحة الجوية. وبرهنت هذه الرحلة الافتتاحية، التي ربطت دكار بالدار البيضاء، على جدوى هذا الحل ومنافعه البيئية.
وتستهدف شركة النقل الجوي بلوغ الحياد الكربوني في أفق سنة 2050 وتتوخى إدماج الوقود المستدام الموجه للملاحة الجوية في رحلاتها بنسبة 10 في المائة في أفق سنة 2030.
ومن خلال اعتماد الوقود المستدام في مجال الملاحة الجوية والتكنولوجيات التي تتميز بضعف انبعاثات الكربون في قطاع الطيران، لم يكتف المغرب باقتفاء أثر التوجهات، بل تجاوزه إلى الاستباق والاستشراف المستقبلي. وبفضل هذا التموقع الاستراتيجي المقترن بسن إطار قانوني ملائم وإنجاز استثمارات كبرى، أصبحت المملكة اليوم تشكل قطبا للتميز في مجال الملاحة الجوية المستدامة.
ويشكل معرض مراكش للطيران 2024 فرصة لتسليط الضوء على التقدم الذي أحرزه المغرب في هذا المجال.
ويعتبر هذا الحدث البارز مرحلة حيوية في هذا المسار، إذ يوفر واجهة لإبراز المجهودات التي ما فتئت تبدلها المملكة في مجال الابتكار والاستدامة. كما سيسلط الضوء على الشراكات والمبادرات التي سمحت للمغرب بتعزيز مكانته كفاعل رئيسي في مجال طيران الغد، الكفيل يرفع التحديات البيئية مع تحفيز نمو وجاذبية البلاد على الصعيد العالمي.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...