أعلن الملك محمد السادس في خطاب المسيرة الخضراء عن انطلاق مشروع اقتصادي ضخم بحجم إطلاق أنبوب الغاز الذي يربط بين نيجيريا والمغرب مرورا بـ 17 دولة افريقية في مرحلة أولى، ليصل بعد ذلك إلى أوروبا في مرحلة ثانية، في مسافة تصل لـ 5660 كلم.
وسبق لوزيرة الطاقة المغربية والوزير النيجري أن وقعا مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا “سيداو” بتاريخ 16/09/2022 على مذكرة تفاهم أكدا من خلالها أن المشروع سيسهم في “تحسين مستوى معيشة السكان وتكامل اقتصادات المنطقة، بالإضافة إلى تخفيف حدة التصحر، بفضل التزويد المستدام والموثوق من الغاز”.
وسينطلق خط أنبوب الغاز من نيجيريا ويمر على طول ساحل الغرب الأفريقي، عبر دول بنين وتوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، وصولا إلى المغرب، كما سيُزود الدول غير الساحلية الأعضاء في المجموعة (النيجر وبوركينا فاسو ومالي) بالغاز.
ريادة افريقية
وفي هذا الصدد، قال محمد الشرقي، إن أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب هي “فكرة الملك محمد السّادس حيث اقترحها على الرئيس النيجيري محمد بخاري، باعتبار نيجيريا من كُبريات الدّول المنتجة للغاز وقوة اقتصادية”، مبينا أن نيجيريا، “لا يساعدها موقعها الجغرافي في أن تستفيد من عائدات خيراتها الطبيعية، وبالتالي فالمغرب يقدم مساعدة لهذا البلد”.
وبين الشّرقي، أن أنبوب الغاز سيمر في دول غرب افريقيا، أي الدول الأطلسية التي تضم 450 مليون نسمة وتطل على المحيط الأطلسي؛ كما سيوفر إمكانيات انتاج الكهرباء لهذه الدول التي تعاني أصلا من نقص كبير من هذه المادة الأساسية في الاقتصاد والاستثمار، فهذه الدول، يقول المتحدث ذاته، “فقيرة من ناحية الطاقة الكهربائية، وبعضها يصل الى 40 و 50 في المائة من المجال الجغرافي للبلد فقط”.
وأردف المحلل الاقتصادي، أنه، وباعتبار مركزية الطاقة الكهربائية في الدينامية الاقتصادية والتنموية؛ فإنها ستسهم في “تحسين الوضعية الاجتماعية لـ 17 دولة افريقية تتمركز غرب القارة في حزام يعتبر مصدر للهجرة”، مؤكدا أن أنبوب الغاز “سيسهم بشكل كبير في الاستقرار بهذه المناطق من خلال خلق فرص الشغل التي ستوفرها دينامية الاقتصادية والاستثمارية التي ستعرفها هذه البلدان”.
3 فوائد للمغرب
من جهة أخرى، وبخصوص مكاسب المغرب من هذا الأنبوب، فيتعلق الأمر، حسب الشرقي، بـ 3 فوائد أساسية، أولها؛ يتعلق بأن المغرب “سيحقق اكتفاء ذاتي من الغاز، حيث سيكون للمملكة ما يكفيه من هذه المادة الأساسية وفي كل الاستعمالات خاصة الاقتصادية والاستثمارية”.
أما الفائدة الثانية، حسب المتحدث، فتتعلق بأن الأنبوب مثل النهر، فكل بلد لديه فائض فيمكن أن يضخه فيه، حيث يعرف المغرب مراكز إنتاج الغاز خاصة بالعرائش والصويرة ولا ننسى منطقة “تندرارة” في الجهة الشرقية، مما يجعل المغرب يضخ فائضه إن تحقق ويصدره لأوربا ويستفيد من عائدته.
وفيما يتعلق بالفائدة الثّالثة، فتتعلق حسب الشرقي، بإنتاج الطاقة الهيدروجينية واهمية الغاز المسال في انتاجها، فالمغرب معروف باستعماله الطاقة الشمسية والطاقات النظيفة، مما سيجعل المغرب أكبر منتج للطاقة الهدروجينية علما أن صناعات السّيارات الجيل الجديد تعتمد على هذه الطاقة وهذه فرصة اقتصادية استراتيجية بالنسبة للمغرب.
الجزائر وأنبوب الغاز
في جانب آخر، وبخصوص الحديث عن أنبوب الغاز نيجيريا الجزائر، فأوضح المتحدث ذاته، أن هذا النقاش روجته الآلة الإعلامية لحكام الجزائر، لكن هو فقط مشروع يوجد في الخيال، بل إنه غير واقعي وليس مبنيا على أي معطيات من الممكن أن تجعله ناجحا بحيث سيمر من دولة واحدة فقط، كما أن دولتين تملكان الغاز أصلا، “فما الفائدة منه؟”، يتساءل الشرقي.
وبين المحلل الاقتصادي أن المشروع الضخم لأنبوب الغاز نيجيريا المغرب يتطابق مع مشروع آخر في أوروبا أطلق عليه اسم “فارمار” وهو شبكة أنابيب الطاقة الهدروجينية والغاز في الجزيرة الايبيرية بين ثلاث دول وهي (فرنسا، اسبانيا، البرتغال).
وعكس ذلك، فأشار الشرقي، أن تجربة قناة أنبوب الغاز التي كانت بين اسبانيا والجزائر مرورا بالمغرب “أثبتت فشلها بحيث إنها ضعيفة وفيها مشاكل تقنية”، ملتفا إلى “نفس الشيء ينطبق على أنبوب الغاز الجزائر-إيطاليا حيث لا يغطي حاجيات الايطاليين من الغاز”.
وأوضح المتحدث أن هذه الفكرة “ليست عملية وليست لها أي امتيازات، فمرور القناة في دولتين تملكان أصلا الغاز لا يقارن بقناة تمر من 17 دولة في غرب القارة لديها حاجيات استثمارية من هذا العبور”، مشددا على أن أنبوب نيجيريا المغرب هو “الذي تؤيده مجموعة من الدول في المحافل الدولية، حيث لقي ترحيبا كبيرا وهناك مساهمين دوليين لإنشائه”.
انطلاقة المشروع
وبعيدا عن هذا النقاش، المتعلقة ب: هل هو أنبوب نيجري مغربي أو جزائري، فقد حسم الخطاب الملكي النقاش حين أعلن عن انطلاق المشروع، يقول الشرقي، فقد بدأت شركة ألمانية العمل على إعداد دراسة تهم كيف سيمر الأنبوب من هذه الدول.
إلى ذلك، يقول المحلل الاقتصادي، فقد تكلفت شركة استرالية بإعداد دراسات تهم تأثيره على البيئة والأحياء؛ فيما بدأ الدعم المالي للمشروع من طرف البنك الإسلامي، ثم منظمة “أوبك” وغيرها من الشركاء في المشروع.
وأوضح أن هذه الدراسات التي سيتم اعدادها تسمى بالدراسات النهائية ما قبل التنفيذ، أي أن المشروع حسم وحين تنتهي الدراسات سيتم تحديد التكلفة النهائية وستوزع بين الدول، ملفتا إلى أن هناك أصلا ربط بين غانا والطوغو والبنين بشبكة للأنابيب وسيبقى الحديث فقط عن الدول الأخرى.
ولفت إلى ان الشق الكبير من المشروع سيكون في المغرب باعتبار طوله، ومن الممكن أن يتكلف المغرب ببنائه، فيما سيتم التعاون بخصوص الدول الأفريقية الأخرى من خلال مساهمات مالية من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وغيره من المساهمين الماليين.
هدف تنموي بالأساس
وفي سياق، آخر وبخصوص علاقة الأنبوب بالصراع الدولي حول الطاقة خاصة بين المعسكر الشرقي والغربي، فأوضح المحلل الاقتصادي، أن الأنبوب لا يجب أن يدخل في هذا الرهان والصراع جيواستراتيجي بين القطبين، فرهانه، حسب القائمين عليه، “تنموي بالدرجة الأولى مشروع يريد أن يوفر الكهرباء والطاقة لإفريقيا ويوصل الطاقة لأوروبا كطاقة وليس شيء آخر”.
وشدد المتحدث ذاته، أن الهدف بالأساس تنموي أي أن يتم إيصال الفائض من الغاز لأوربا بعيدا عن الصراعات والتقاطبات، فهدفه “سلمي ورهانه بطموح تضامني وإدماج كلي لهذه الدول في التنمية باعتبار أوروبا شريك اقتصادي من أجل بناء المشترك الإنساني”.
وبين المتحدث أن هذا الأنبوب سيطور إفريقيا باعتباره “مشروع ضخم، إذ سيوجه البوصلة العالمية إلى غرب القارة الافريقية، وسيخلق دينامية قوية؛ إذ ستحج الشركات الدولية والمؤسسات المالية المانحة”، مبينا أن المشروع سيحظى كذلك بـ “تغطية إعلامية كبرى من طرف الصحافة الاقتصادية التي لا تتحدث عن افريقيا إلا حيث يتعلق الأمر بالمجاعات والانقلابات والهجرة غير النظامية”.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...