حقيقة لا مفر منها أن عهد السلام الأزلي بين الأمم والشعوب لا يزال حلما يراود مخيلة كل شخص منا، والسبب في ذلك هو ملازمة الخلاف الإنساني لحياتنا وحياة الشعوب والمجتمعات التي نعيش فيها، خاصة في عهد هيمنة بعض القوى الساعية إلى بسط رؤيتها وتوجهاتها وسيطرتها الدولية بنظرية أحادية الجانب، ولعل السبب الثاني في ذلك يرجع لعدم تاطير القانون الدولي وسياسة الدول بشكل صحيح وحقاني، وفسح المجال للتدخل في الشئون الداخلية للدول تحت الغطاء الإنساني، مما بات يؤثر على بزوغ معطيات جديدة في العلاقات الدولية، وبالتالي بث مزيد من الاهتزازات والانكسارات التي أصبحنا نشاهدها في عالمنا الآن، لأنه وبكل صراحة لا توجد هناك سلطة دولية متوفرة على ركائز أخلاقية وإنسانية محضة ومناسبة لكل الأطراف في نفس الوقت، يسمح لها بالبث في موضوع من يستحق التدخل في فك الصراعات والنزاعات والحروب بين الأطراف المتنازعة ومن لا يستحق إضافة إلى أن القانون الدولي العام نجد أن صياغته قد تمت في ظروف أحادية الجانب، ومن قبل دول سعت من خلاله لترتيب علاقاتها ومصالحها الشخصية دون اخذ أراء الدول الضعيفة ودول العالم الثالث بسبب عدم تواجدها خلال فترة الإنشاء والتأسيس نتيجة المشاكل والصراعات والاستعمارات التي كانت تتخبط فيها، مما جعل دول أخرى تنوب عنها خلال مراحل التأسيس وهذا ما قبلته فيما بعد على أساس أن هذا القانون هو قانون معد بشكل جيد لتدبير شئون العالم كله، والقبول به لم يستثنيها حتى من مناقشته والاجتهاد فيه حتى يصير عالميا بكل معنى العالمية والشمولية، أي أن يتضمن مقتضيات تنصف الدول الضعيفة وهذا الصراع مازال قائما إلى يومنا هذا. وحتى ولو لم يكن هناك عدو لصنعوه بحجة عدم صياغته من جديد، لهذا فالسياسة والقانون الدولي اليوم مطالب بالانكباب بشكل جدي وصريح لصياغة موضوع التعايش السلمي وإعطاء البعد الإنساني للنظام العالمي الجديد بعيدا عن الأنانية والعولمة الزاحفة والاعتراف بحقوق الضعفاء بمبدئية الحق وليس بمبدأ العناية والاهتمام وإلا ولا قدر الله سوف يفتح باب على مصراعيه لاندلاع انزلاقات خطيرة لا يحمد عقباها على المسار الدولي. هذه الانزلاقات التي أصبحنا نراها في المشهد الدولي والتي تبررها في بعض الأحيان القوى الكبرى بمصطلح الإرهاب. كما علينا الإيمان بالتعددية والتنوع وتوظيفهما في إطار يخدم ويحقق مصالح ومنافع الناس والابتعاد عن مفهوم العناية والاهتمام، كما يجب علينا إعادة النظر في كلمة وفكرة مصطلح العدو وتحديد الأسس التي يتحول بها أي طرف في خلاف ما إلى أن يصير عدوا وخصما لصاحبه والإيمان بالمساواة في المعاملات على اختلاف انواعها الدينية والعرقية لأننا كلنا لآدم وآدم من تراب، وأخيرا تزكية الروح الإنسانية بمبادئ وثقافة السلام والتعاون والتكافل والابتعاد عن النمط الاستبدادي والنمط المتسيب، ولم لا الاقتراب من النمط الإنساني العاطفي الداعي للسلام الذي من خلاله يمكن تحقيق حلم العالم لتحويل عالمنا لدار سلام.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...