يعتبر الإعلام إحدى الأدوات الأساسية في مواجهة المخططات التي تستهدف الوحدة الترابية للمملكة ولا تقل المعركة في الساحة الإعلامية أهمية عن المعارك التي تخوضها بلادنا في الساحة الدبلوماسية ،بعد أن حسمت المعركة العسكرية ضد المشروع الانفصالي. وفي غمرة النزاع المفتعل ،كان الإعلام الوطني ولا يزال مدافعا عن القضية الوطنية ،بما تنشره الجرائد اليومية و الأسبوعيات وقنوات التلفزة والإذاعة ،لكن مع تطور التكنولوجيا تطورت وسائل الإعلام وتعددت منابره التي أصبحت في جزء كبير منها إلكترونية ،مما طرح تحديا جديدا أمام الإعلام في كيفية خدمة القضية الوطنية.
إن القضية الوطنية التي تعني حق بلادنا المشروع في تثبيت وحدتها الترابية هي قضية بلد بأكمله بشعبه وقيادته، بينما هي في البلد المجاورفقط قضية نظام يطمع في إضعاف بلدنا وبسط نزعته للهيمنة في المنطقة، مما يمنحنا الشرعية للدفاع عن حقنا بكل السبل المشروعة، ومن بينها الإعلام ولذلك وجب أن يكون إعلامنا الوطني في مستوى الدور المنوط به، يقظا في التصدي للإعلام المناوئ للموقف المغربي. إن قضية الصحراء بالنسبة لنا نحن المغاربة قضية وجود، كما قال جلالة الملك محمد السادس، إنها قضية الدفاع عن كيان المغرب ووحدته ونمتلك بالتالي كل العناصر والمقومات للانتصار فيها وحسمها ، في مواجهة قضية نظام في بلد مجاور، لا يعلن الشعب فيه أن أولى انشغالاته هي مناصبة العداء للمغرب ووحدته الترابية، بل يريد الاستفادة من عائدات المحروقات والعيش الكريم وتجنب الطوابير بحثا عن المواد الغذائية ،التي يعاني ندرتها. ويقتضي قيام الإعلام الوطني بدوره تكوين الإعلاميين المغاربة في ملف الصحراء المغربية وإطلاعهم على المستجدات المتعلقة بها، وتمكينهم من آليات الترافع في هذا الملف ، علما أن هناك من يعتبر أن تكوين الصحفيين في القضية الوطنية هو في أهمية تكوين إفراد الجيش على استخدام الأسلحة المناسبة للدفاع عن الأرض المغربية. والمؤكد أن التزام الإعلام بالمهنية بالرصد والمتابعة والاستئناس بآراء الخبراء والمختصين في هذا الملف سيساهم في تقديم الخدمة المطلوبة للدفاع عن وجاهة الموقف المغربي، على ألا تقتصر وظيفة الصحافة على ترديد ما يصدر عن الفاعل الرسمي المسؤول في الداخل أو الدبلوماسي في الخارج من تصريحات ، بل تتعداها إلى القيام بكل المبادرات الضرورية ،من أجل مواجهة التضليل والأخبار الزائفة والمغالطات في هذه القضية وإطلاع الغير بحقائق الوضع في المنطقة.
ومن الضروري أن يكون الإعلامي المغربي متسلحا بالمعرفة القانونية والعلمية الأساسية لمواجهة الخصوم في بعض القضايا المثارة في النزاع المفتعل، أخص منها ،على سبيل المثال ،ثلاثة قضايا هي: أولا دفع خصوم بلادنا بضرورة تطبيق الأمم المتحدة آلية الاستفتاء لتمكين الشعب الصحراوي المزعوم من ممارسة الحق في تقرير المصير. وفي هذا الصدد يصر الإعلام الجزائري طوال عقود النزاع ،على ترويج أطروحة نظامه القائمة على تحريف مبادئ وقرارات الأمم المتحدة، بادعائه أن تقرير المصير في الصحراء يقترن فقط بالاستفتاء، بينما لم تذكر قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514، و 1541، و 2625، أية آلية من شأنها أن تفضي إلى تقرير المصير وتركت اختيار الآلية المناسبة لاستشارة السكان، للأطراف التي لديها كامل الحرية في تحديدها من خلال المفاوضات. وسبق للممثل الدائم للمملكة في الأمم المتحدة، أن سجل أنه من أصل 64 حالة تتعلق بأراضي غير مستقلة أو تقع تحت الوصاية، تمت تسويتها من قبل الأمم المتحدة منذ سنة 1945، هناك أربعة فقط تم حلها عبر آلية الاستفتاء، و أن اثنتين من الحالات الأربع تسببتا في حروب أهلية، مما يدل على المخاطر التي تنطوي عليها هذه الآلية. ومن المهم هنا تأكيد أن قرارات مجلس الأمن الدولي كرست سمو مبادرة الحكم الذاتي وأقبر مجلس الأمن مخطط التسوية الذي يتضمن آلية الاستفتاء ،التي ينادي بها النظام الدولي واقتصر مجلس الأمن في قراره 2756 الصادر في 31 أكتوبر المنصرم على القرارات التي أصدرها منذ سنة 2007 ،بما يؤكد سمو مبادرة الحكم الذاتي التي قدمتها بلادنا في تلك السنة وتنص في مادتها 27 على أن” یكون نظام الحكم الذاتي للجھة موضوع تفاوض، ویطرح على السكان المعنیین بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة دیمقراطیة. ویعد ھذا الاستفتاء، طبقاً للشرعیة الدولیة ومیثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعیة العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن ھؤلاء السكان، لحقھم في تقریر المصیر”.
وتنصب القضية الثانية التي تروجها الآلة الإعلامية للنظام الجزائري على استغلال الثروات الطبيعية في الصحراء، في محاولة يائسة للمس بعدالة قضيتنا الوطنية ،بينما واقع الصحراء المغربية ينطق بصورة مخالفة، يطبعها إشراف جلالة الملك على إطلاق البرنامج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية، الذي بلغ غلافه المالي 80 مليار درهم، بهدف إطلاق دينامية اقتصادية واجتماعية حقيقية، وخلق فرص الشغل والاستثمار، وتمكين المنطقة من البنيات التحتية والمرافق الضرورية، مستجيبا بذلك لانشغالات وتطلعات سكان الأقاليم الجنوبية، علما أن جلالة الملك أكد أنه منذ استرجاعها في 1975،يستثمر المغرب في صحرائه 7 دراهم مقابل كل درهم من مداخيلها ، في إطار التضامن بين الجهات وبين أبناء الوطن الواحد. كما أن مؤشرات التنمية البشرية بالمنطقة، سنة 1975، كانت أقل ب6 بالمائة من جهات شمال المغرب، وب51 بالمائة مقارنة بإسبانيا. أما اليوم، فهذه المؤشرات بالأقاليم الجنوبية، تفوق بكثير المعدل الوطني لباقي جهات المملكة. وتتعلق القضية الثالثة التي يجب أن يتصدى لها إعلامنا الوطني ،بحقوق الانسان في المنطقة التي يحاول النظام الجزائري توظيفها في اتجاه حمل مجلس الأمن على أن يسند لبعثة المينورسو مسألة الإشراف عليها ومراقبتها، غير أن موقف المغرب الحازم أفشل هذا المخطط منذ 11 سنة، مستندا إلى أن بعض البعثات المماثلة للأمم المتحدة في بقاع العالم لا تمتلك هذه الصلاحية وإلى سجله في مجال احترام حقوق الإنسان ،مقابل ما تعانيه ساكنة مخيمات تندوف من اضطهاد وحرمان من أبسط حقوق اللاجئين في التنقل والعيش الكريم، علما أن الأمين العام للأمم المتحدة يحيط في تقاريره إلى مجلس الأمن، بجهود وإنجازات المغرب في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في الصحراء المغربية وبالدور الكبير للجنتين الجهويتين للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في العيون والداخلة ففي هذه الجهود. وفضلا عن هذه القضايا الثلاثة ، تطرق كتاب “مغربية الصحراء حقائق وأوهام حول النزاع”، الذي أصدرته الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني في 2019 إلى قضايا أخرى يمكن للإعلام الوطني أن يرافع بشأنها في مواجهة أطروحات خصوم الوحدة الترابية. وسيكون العمل الإعلامي مجديا في الدفاع عن الوحدة الترابية بتسليطه الضوء على مظاهر التنمية في الأقاليم الجنوبية والدينامية التي تشهدها المنطقة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مقابل الوضع المأساوي لمخيمات تندوف. وهنا وجبت العناية بالإعلام الجهوي وضمنه قناة العيون والإعلام الجهوي ،لمواصلة دوره في مواجهة الدعاية الانفصالية وتعزيز الوحدة وترسيخ الانتماء للوطن .
ولا بد أيضا من وضع قضية الصحراء في بعدها الوطني ، بالتركيز على التنمية التي يشهدها المغرب في جميع المجالات ودوره المحوري في المنطقة وفي القارة الإفريقية وتنوع علاقاته مع مختلف دول العالم، التي تعتبره شريكا موثوقا به . ومن المفيد أن نستحضر دائما في تعاطينا إعلاميا مع قضيتنا الوطنية أنه من واجبنا مواجهة نهج الأذرع الإعلامية للنظام الجزائري في القطاع العمومي والمحسوبة على القطاع الخاص، القائم على إنكار وتبخيس كل المكتسبات التي تحققها بلادها في تثبيت وحدتها الترابية، ومن ذلك زعمها أن اعتراف الإدارة الأمريكية في عهد ترامب بمغربية الصحراء، هومجرد تدوينة في الفضاء الأزرق ،رغم تسجيله في الجريدة الرسمية الأمريكية وأنه لا قيمة لفتح قنصليات عامة لدول من القارة الإفريقية وغيرها في العيون والداخلة ولا قيمة أيضا للاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء. وفي ظل الانتشار المحدود للصحف الورقية ، أصبح الترافع الرقمي عن القضية الوطنية في وسائل الإعلام الإلكترونية ضروريا لمواجهة أطروحة الخصوم بما يتطلبه من امتلاك لغات أجنبية و مهنية وتكوين معرفي، لمواصلة إبراز تطورات قضية الصحراء ،ارتباطا بما حققه المغرب من مكتسبات وحالة الاستقرار والتنمية في الأقاليم الجنوبية مع تسليط الضوء على الواقع المزري في مخيمات تندوف . والمؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في إبراز واقع التنمية في المغرب و الوضع المعيشي الكريم لساكنة الصحراء ،كما سلطت الضوء على موجات تذمر واحتجاج سكان مخيمات تندوف. ويجب تعزيز إحداث منصات رقمية للترافع عن القضية الوطنية بمختلف اللغات والابتكار في هذا الترافع بنشر المحتوى المصور الذي يكون بلغات أجنبية، وفي هذا الشأن تأتي دعوة أحد الأساتذة الجامعيين إلى تحويل الأوهام التي تضمنها كتاب “مغربية الصحراء.. حقائق وأوهام في النزاع ” إلى أشرطة وثائقية وكبسولات رقمية وإخضاعها لمنطق التفاعل والتسويق. ومن المهم في هذا الشأن أن تواصل وزارة التواصل الإشراف على مبادرة التأهيل من أجل الترافع الرقمي حول قضية الصحراء المغربية، وأن تشمل أيضا الصحفيين ،لتعزيز قدراتهم في هذا المجال. وفي هذا الشأن يعرض الكاتب الصحفي سعيد رحيم بعض النصائح ،التي استخلصها من عمله مديرا لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء لثلاث سنوات في السمارة ويعتبرها أساسية في فعالية الإعلام الوطني في تناوله قضيتنا الوطنية ،هي أهمية التكوين الأكاديمي في التاريخ والسوسيولجيا المتعلقين بالمنطقة والممارسة الإعلامية بكل أجناس الكتابة الصحفية والإلمام بآليات الحرب الإعلامية وكيفية التعامل مع الأخبار والإشاعات التي تنتجها الجهات المعادية وعدم السقوط في دعايتها. وأذكر أن رحيم ألف قبل ثلاث سنوات رواية “حدائق الجنوب” التي اعتبرها بعض النقاد من الروايات التي اشتغلت على الحرب الإعلامية ،المرافقة لقضية الصحراء المغربية.
وبالانتقال إلى التعاطي الإعلامي للنظام الجزائري مع المغرب وقضية وحدته الترابية، يتبين أن هذا النظام الذي يتحكم في كل دواليب المنظومة الإعلامية في الجزائر، من خلال التشريع واحتكار الإعلان، وطباعة الصحف، والإعانات المختلفة لوسائل الإعلام جعل من الحرب الإعلامية ضد القضية الوطنية ركنا أساسيا في عقيدة عدائه للمغرب ووحدته الترابية. وحسب إحصائيات سنة 2022 ،كانت تطبع في الجزائر175 صحيفة يومية ،من بينها 78 صادرة باللغة الفرنسية بـسحب يومي بلغ292888 نسخة يوميَّا، مقابل 97 صحيفة باللغة العربية بسحب320697 نسخة يوميًّا(أي613585 نسخة يوميا) وباستثناء ثلاثة صحف تتوفر على مطابع خاصة بها ،تلجأ بقية الصحف إلى المطابع العمومية الثلاث لطبع أعدادها، ولا تسدد غالبيتها الديون المتراكمة عليها ، مما يجعل علاقاتها مع مطابع الدولة لا تقوم على الشفافية أو الطابع التجاري البحث، ولم يسبق لوزارة الاتصال أن قاضت الصحف التي لم تُسدِّد ديونها، ولذلك تستغل السلطات هذه الديون لإخضاع هذه الصحف لتوجهاتها وخدمة أجندتها وضمنها مهاجمة المغرب ووحدته الترابية. وتبجح الرئيس تبون ، في أحد لقاءاته الدورية مع الإعلام المحلي، في معرض ادعائه تشجيع النظام حرية التعبير والصحافة ،بوجود 180 جريدة في الجزائر يتم طبعها في مطابع الدولة ولا تدفع واجبات طبعها ، لكن الجميع يعلم أن عدم دفع هذه الصحف تكاليف طباعتها في المطابع العمومية ليس لوجه الله أو لإيمان النظام بحرية الرأي والتعبير، بل يندرج ضمن دفتر تحملات شفوي عليها التقيد به، يتضمن توقيرها رئيس الجمهورية وعدم الإساءة إليه وتقديس الجيش وقيادته والانخراط في الحرب الإعلامية على المغرب ووحدته الترابية. وفضلا عن الطباعة المجانية ، يتحكم النظام في مصير الصحف المحسوبة على القطاع الخاص، من خلال الإشهار العمومي الذي توزعه الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، بإغداقها المال العام على الصحف التي تروج نهجه المعادي للمغرب وتخدم أجندته في الداخل. وبلغ نصيب الإعلان العمومي 75% من سوق الإعلان، الذي وصلت عائداته قبل عشر سنوات إلى 300 مليون يورو ولا تقتصر السلطات العمومية على توزيع هذه الحصة الكبيرة من الإشهار، بل توجه شركات القطاع الخاص إلى منح إعلاناتها إلى الصحف والقنوات الموالية لها. وسبق لأحد المديرين السابقين للوكالة الوطنية للنشر والإشهارأن كشف أن صحيفة “النهار” المحسوبة على القطاع الخاص ، التي كانت ناطقة باسم فريق الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة ،على حوالي 31 مليون دولار خلال 8 سنوات من 2012 إلى 2019،كما حصلت “الشروق” المحسوبة على القطاع الخاص والموالية لنظام على حوالي 18 مليون و200 ألف دولار بين سنتي 2012 و2015، ثم على حوالي 4 ملايين و600 ألف دولار بين سنتي 2016 و2019. وأخرج النظام عائدات الإشهار من منطق السوق ،وحولها إلى أداة لتطويع وسائل الإعلام ،سواء كانت عمومية أو محسوبة على القطاع الخاص لخدمة أجندته في الداخل والخارج. وباختصار أناط النظام الجزائري بالوكالة الوطنية للنشر والإشهار مهمة الإشراف على المطابع العمومية للصحف وتوزيع الإشهار العمومي من الوزارات والمؤسسات العمومية على الصحف العمومية والمحسوبة زورا على القطاع الخاص لتكون أذرعه الإعلامية ،التي يتحكم في خطها التحريري ،بما يغدقه عليها من طباعة مجانية وإشهار عمومي ،لتوظيفها في حروبه في الداخل والخارج. وفضلا عن ذلك حول النظام في 1990 ثكنة عسكرية في قلب العاصمة هي ثكنة البشير عطار إلى مقرات للصحف مقابل سومة كراء رمزية، تكون بدورها أداة للضغط على تلك الصحف لخدمة النظام ،الذي أطلق على الثكنة اسم دار الصحافة الطاهر جاووت،زاعما أنها رافدا أساسيا للتعددية الإعلامية في الجزائر. وللاستدلال أيضا على حجم الحرب الإعلامية المشحونة بالحقد والافتراءات على المغرب ،تكفي الإطلالة على القصاصات التي تبثها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، و يصل معدلها إلى سبع قصاصات يوميا ، في محاولات النظام اليائسة لتشويه صورة المغرب وضرب وحدته الترابية، بينما لا تتناول وكالة المغرب العربي للأنباء أخبار الجزائر بنفس السلوك البئيس. ويوظف النظام قنواته التلفزيونية والإذاعية العمومية ،في ترديد أطروحته الداعمة للانفصال، وبث أخبار وروبورتاجات كاذبة في حربه الإعلامية على المغرب، بينما تتجنب وسائل الإعلام السمعية البصرية العمومية في بلادنا الإساءة للجزائر. ويخضع النظام القنوات التلفزيونية المحسوبة على القطاع الخاص لوضع قانوني غريب، من أجل التحكم فيها واستخدامها أداة في مناكفة المغرب والدعاية ضد وحدته الترابية .وتم تأسيس بعض هذا القنوات من رجال أعمال موالين للنظام قبل صدور قانون الاتصال السمعي البصري في 2014، وحرصت السلطات العمومية على عدم إخضاع هذه القنوات للقانون ،بتمكينها من خلال سلطة الاتصال السمعي البصري من العمل بحرية وشفافية ضمن دفاتر تحملات ،بل تمنحها وزارة الاتصال رخصا لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد ،باعتبارها مكاتب لقنوات أجنبية تبث من خارج الجزائر، رغم وجود استيودهاتها ومواردها البشرية داخل الجزائر ويحق للسلطة سحب الرخص منها وإغلاق مكاتبها في أي وقت، مما يجعلها تحت رحمتها. لكن هذا الوضع القانوني الغريب لم يمنع النظام من اعتبار هذه القنوات وطنية ،ليغدق عليها من الإعلان العمومي ،و جعلها أداة لتمرير أطروحاته ونهجه المعادي للمغرب ووحدته الترابية. ويسخر النظام أيضا المواقع الإلكترونية ودبابه الإلكتروني في حملاته ضد بلادنا. وتتولى المؤسسة العسكرية صاحبة السلطة الفعلية في البلاد دورا كبيرا في حرب النظام الإعلامية القذرة ضد المغرب ،من خلال إدارة الاتصالات والإشارة والحرب الإلكترونية(هكذا تسمى) في وزارة الدفاع ،التي تسخر مواردها في نشر الحقد والكراهية للمغرب. وإلى ذلك يمنع النظام المواطنين الجزائريين و جميع وسائل الإعلام مكتوبة أو إلكترونية وسمعية بصرية من نشر أو بث أي شيئ إيجابي عن المغرب، بل يوجه الإعلام إلى تناول ما يراه سلبيا في بلادنا . وفي ما يتعلق بمنع الجزائريين من الحديث إيجابيا عن المغرب، نستحضر واقعة النائب البرلماني الأسبق عن حزب جبهة التحرير الوطني وحيد بوعبدالله، المولود في مدينة بركان، الذي لم يشفع له منصبه البرلماني في 2016 ولا رئاسته سابقا لشركة الخطوط الجوية الجزائرية أوقربه من الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة من خضوعه في ثكنة للمخابرات الداخلية لتحقيق أمني قاس تعرض فيه لانهيار عصبي ،وتعرض بعده بقية أفراد عائلته للمضايقات، بعد إدلائه في 13 يونيو 2016 باستجواب لموقع tsa الإلكتروني أشاد فيه بجلالة الملك محمد السادس ،قائلا أنه “يحب شعبه وحول المشهد السياسي واقتصاد بلاده”، كما وصف جلالة الملك بأن “الوريث المستحق لمحمد الخامس الذي أحب الجزائر وساعدنا كثيرا من أجل الحصول على استقلالنا”.
ورفض تبني دعاية النظام واتهاماته الزائفة للمغرب بإغراق الجزائر بالمخدرات ،بتساؤله عن سبب استهلال الشباب الجزائري كميات كبيرة من المخدرات، محملا المسؤولية في هذا الشأن للحكومة الجزائرية. وكانت قضية الصحراء المغربية في صلب هذا الاستجواب الذي لم يساير فيه بوعبد الله أطروحة النظام المتعلقة بخطة الاستفتاء، بقوله أن الاستفتاء يطرح مشكلة المسجلين في لوائح التصويت ويمكن الذهاب إلى حل يتضمن الحكم الذاتي. وبعد نشر هذا الاستجواب أمر الرئيس بوتفليقة بإبلاغ بوعبدالله بالابتعاد عن الخوض في هذه المواضيع ،لكن جهاز المخابرات حرف هذا الأمر، مستدعيا المعني بالأمر إلى ثكنة عنتر، لإبلاغه بأن عليه نسيان حصانته البرلمانية، ليخضعه لتحقيق قاس خرج على إثره محمولا إلى إحدى المصحات مع إخضاع شركات باسم أفراد عائلته لمراجعات ومضايقات ضريبية. ويتعلق المثال الثاني بمغالاة الإعلام الخاضع للنظام في نشر الأكاذيب والأخبار الزائفة المتواترة ضد المغرب ومصالحه وعلاقاته الخارجية، حد اضطرار وزارة الخارجية الروسية في أكتوبر 2021 إلى إصدار بيان اتهمت فيه مباشرة صحيفة “الشروق” الجزائرية، الموالية للنظام ، بـ”نشر المعلومات المضللة والأكاذيب السافرة والتلاعب بالحقائق”، لنشرها مقالا للصحفي المدعو محمد مسلم ،ادعى فيه وجود أزمة بين المغرب وروسيا بسبب الجزائر، موردة أن الخبر المزيف الذي نشرته الجريدة يستحق جائزة في صنف “عينة كلاسيكية من التضليل” وأخرى في صنف “المحلل الكاذب”. وأكدت أن ماكتبه مسلم “لا يتوافق مع الواقع ولا يوجد إلا في خيال مؤلف جريدة الشروق”. لقد جعل النظام منذ حوالي نصف قرن قضية وحدتنا الترابية قضيته الوطنية تأتي في تصريحات كثيرة على لسان رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ورئيس أركان الجيش ومسؤولين آخرين، في وقت يدعي هذا النظام أنه ليس طرفا فيها وأنه يساند فقط مبدا حق تقرير المصير. وروج هذا النظام دعوته إلى ضرورة تحقيق إجماع وطني داخل الجزائر حول السياسة الخارجية ،التي يتصدرها عداؤه للمغرب ووحدته الترابية. ولا يخلو أي لقاء للرئيس تبون مع المسؤولين في الداخل والخارج أو لوزير الخارجية الجزائري مع السفراء المعتمدين لدى بلاده ونظرائه والمسؤولين في الخارج من ترويج الأطروحة المناهضة لمغربية الصحراء. والمؤكد أن عقيدة العداء التي يمارسها النظام الجزائري ضد بلادنا في الإعلام والدبلوماسية وغيرهما ،ظلت طوال كل هذه العقود مطبوعة بالاندحار والانكسارات، في ظل إجماعنا الوطني على مشروعية الدفاع عن بلادنا و وحدتنا الترابية . —————— *سفير سابق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...