حاورته: إلهام زخراف
يشهد سوق السمك بالمغرب تقلبات كثيرة في الأسعار، لا سيما سمك السردين الذي يُعد عنصراً أساسياً على موائد المغاربة، خاصة موائد الأسر ذات الدخل المحدود.
منذ الصيف الماضي، شهدت أسعار سمك السردين ارتفاعا ملحوظا، تجاوز 20 درهما للكيلوغرام الواحد في بعض المدن، فيما تجاوز لامس 40 درهما في مدن أخرى.
وتثير هذا التقلبات في الأسعار، غضب الرأي العام وتساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذه الزيادة المفاجئة، التي تعالت على إثرها العديد من الأصوات مطالبة بضرورة تدخل الحكومة لوضع حد لهذا الارتفاع الجنوني في الأسعار، مع ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم الصيادين، وتنظيم الأسواق، ومحاربة الاحتكار، وضمان وصول المنتجات البحرية بأسعار معقولة للمستهلكين.
وفي هذا الصدد، تستضيف جريدة الأنباء المغربية، السيد رشيد الرخامي، المهني والفاعل الجمعوي في قطاع بيع السمك على مستوى ولاية مراكش، وذلك لتسليط الضوء على هذه الزيادات وأوضاع أسواق السمك والمهنيين في ظل التغيرات التي يشهدها القطاع.
س: في ظل الارتفاع المهول لأسعار اللحوم الحمراء والبيضاء، تلجأ العديد من الأسر المغربية إلى سمك السردين المعروف بسمك الفقراء، إلا أنها تصطدم بأسعاره الملتهبة أيضا، أنتم كمهني كيف تفسرون غلاء هذا النوع من الأسماك؟
سمك السردين، كان الوجبة الرئيسية لكل المغاربة، حيث كان لا يخلو من الموائد المغربية بشكل يومي، وذلك بالنظر لأسعاره المنخفضة ولتوفره في السواحل المغربية بشكل كبير، حيث كان لا يتجاوز سعره 5 دراهم.
وأسباب ارتفاع أسعار سمك السردين، عديدة ومتعددة، وهنا سأذكر بمداخلة خبير في مجال الصيد وعالم البحار، كان ألقاها في ندوة علمية سنة 2009. الخبير، دق حينها ناقوس الخطر، وأكد أن المغرب سيواجه أزمة حقيقية بحلول سنة 2030، وحذر من اختفاء سمك السردين من السواحل المغربية.
وحينها، طلب الخبير من أصحاب مراكب الصيد، أن يتم منحهم “الكوطا” مرة في السنة، وهو طرح رفضه المهنيون، حيث رفضوا الاكتفاء بصيد 27 ألف طن في السنة، وهو ما جعله يحذر من أن الاستمرار في استنزاف الثروات السمكية على مدار السنة، قد يتسبب في أزمة خطيرة في غضون سنة 2030، خاصة فيما يتعلق بأسماك السردين.
الوضع الذي حذر منه الخبير المذكور ، نعيشه اليوم، فالموانئ الجنوبية التي كانت تمون أسواق السمك على الصعيد الوطني بحوالي 80 في المائة، أغلبها اليوم لم يعد يصطاد بها سمك السردين، وخير دليل هو ميناء مدينة العيون.
ففي السنة الماضية بهذا الميناء، تضاءلت نسبة إنتاجه لأسماك السردين بحوالي 80 في المائة، و20 في المائة هو الرقم الذي تم اصطياده اليوم.
وهناك أسباب عديدة تساهم في استنزاف الثروة السمكية، خاصة السردين، والتي من بينها إنشاء وحدات صناعية تخص إنتاج الأسماك بالقرب من الموانئ، حيث انضاف أزيد من 19 مصنع خلال الحقبة الأخيرة، وهو ما يزيد من الضغط على هذا النوع من الأسماك.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم تنامي هذه المصانع في الزيادة في أسعار السمك، حيث بات يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من سمك السردين داخل هذه المصانع ما بين 9 و10 دراهم، وهو ما يشجع أصحاب المراكب على التعاون مع أرباب المصانع عوض التجار، الذين قد يلجأون إلى الشراء بـ”الكريدي”، عكس المصانع التي يكون فيها الربح مضمون.
س. هل تعتقدون أن هناك لوبيات تحتكر أسواق السمك، وأنها هي السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار لحوم الأسماك؟
في اعتقادي، أنه ليس هناك لوبي في قطاع صيد أو بيع الأسماك، وإنما سلسلة البيع تفرض على التجار تحديد الأسعار المواتية للبيع، كما أن المتغيرات المرتبطة بالمصانع لها دور في ذلك، وذلك بالنظر لما تعرفه عملية البيع لهذه الأخيرة من مرونة وسرعة، وبالتالي تفادي أية خسائر، وهو ما يجعل المنتوج المعروض للبيع للمستهلك ضعيفا، وبالتالي نكون أمام معادلة قلة العرض وتزايد الطلب، وهو ما يتسبب بالتأكيد في زيادة الأسعار.
ومن جهة ثانية، يستحيل أن يكون هناك لوبي في داخل الأسواق، لأن كل المراحل المتعلقة بعملية الصيد والبيع تتم تحت إشراف المكتب الوطني للصيد البحري.
س. بغض النظر عما يحصل بالموانئ، ألا ترون أن التاجر يتحمل بدوره المسؤولية في هذا الغلاء؟
تاجر السمك، “الله اكون في عوانو”، يتواجد بين المطرقة والسندان، مطرقة تاجر السمك بالجملة مع شريك من الموانئ وتاجر السمك بالتقسيط.
اليوم، أغلبية التجار داخل الأسواق الداخلية، خسروا رؤوس أموالهم بسبب بعض تجار التقسيط، رغم لجوئهم إلى طرق غير قانونية لتفادي الخسائر والصوائر التي على رأسها الرسوم الجمركية التي تزيد من أسعار السمك.
فكل شاحنة من سمك السردين تؤدي 12٪ من الرسوم بالموانئ، ثم 7٪ على مستوى الأسواق، و3٪ من الرسوم تؤدى على مستوى الموانئ بالنسبة للسمك الأبيض و7٪ بالأسواق. هذه الرسوم تزيد بدورها من أسعار السمك.
س. هناك مخالفات ترتكب في هذا المجال؟
بطبيعة الحال، إلا أنه يصعب رصدها كلها، وخاصة أمام الطريقة المعتمدة في الصيد خلال السنوات العشر الأخيرة بجميع الموانئ المغربية، وهي طريقة الصيد الجائر، وهو ما يصعب من ضبط كل المخالفات التي قد ترتكب خلال هذه العملية رغم اجتهادات المسؤولين.
ومؤخرا، قامت وزارة الصيد البحري بتنسيق مع وزارة الداخلية بإيقاف مجموعة من شاحنات السمك ما بين مدينتي العيون وتزنيت، وذلك بالنظر إلى كونها محملة بأنواع من السمك غير مسموح بصيدها.
س. هل فعلا سنكون أمام أزمة مستقبلية؟
وزارة الصيد البحري، فطنت لمشاكل القطاع ولتراجع الثروة السمكية واتخذت عدة إجراءات في هذا الصدد.
ونرى، أن ما قامت به الوزارة، هو خطوة إيجابية قد تنقذ الثروة السمكية من الزوال، سواء بالموانئ أو الأسواق الداخلية
اليوم الوزارة تقوم بتخصيص 3 أشهر للراحة البيولوجية بالنسبة لسمك السردين خلال السنة ( أشهر 12.1.2)، وذلك احتراما لفترة توالد هذا النوع من الأسماك. وهي خطوة قد تكون ناجحة مستقبلا، ليتم انقاذ ما يمكن إنقاذه من سمك السردين.
وعموما، الضغط المتزايد على السمك، عائد أيضا إلى عوامل أخرى، وذلك بالنظر إلى تزايد الطلب عليه في إطار تغير الأوضاع المجتمعية، خاصة مع هذا الجيل الجديد من الأسواق النموذجية، حيث تغيرت نظرة المجتمع المغربي للسمك، خصوصا السمك الأبيض، حيث بات يستهلك بدوره بكثرة من طرف المغاربة، خاصة في المدن التي تشتهر بوجود مقاهي مختصة في بيع الأسماك.
س. نعلم أنكم تنشطون في إطار عدد من الجمعيات المهنية، اليوم ومن موقعكم كمدافع عن المهنيين، ما هي أهم مطالب هذه الفئة؟
نحن كفاعلين جمعويين داخل سوق السمك بالجملة بمراكش، نمثل فئة كبيرة من تجار السمك بالجملة والتقسيط.
وتحت لواء الفيدرالية الوطنية لبيع الأسماك بالأسواق المغربية، قمنا بعقد عدة لقاءات في هذا الشأن، خصوصا مع المديرة العامة للمكتب الوطني للصيد البحري، بصفتها المسؤولة الأولى عن الأسواق الداخلية بالمملكة، والمسؤولة أيضا على فضاء بيع السمك الأبيض والسردين بالموانئ المغربية.
نحن نناضل من أجل تحسين أوضاع المهنيين والتجار، وكذا من أجل تقنين الدخول والخروج من السوق، لأنه في بعض الأحيان على مستوى سوق مدينة مراكش، يكون غلاء الأسماك بسبب ارتفاع الطلب، والطلب تغير كثيرا ما بين السوق السابق الذي كان يديره مجلس جماعة مراكش والسوق الجديد الذي يديره المكتب الوطني، والذي عرف تزايد عدد باعة السمك، حيث أصبحنا أمام أزيد من 3000 تاجر، وهذا ما يساهم في الغلاء، وبالتالي فإن العرض أقل من الطلب، وهذا ما يحصل في جميع الأسواق. خاصة أمام تراجع عدد الموانئ المصدرة لسمك السردين، فنحن اليوم أمام موانئ مدينتي الجديدة وأسفي.
س. مؤخرا تزايد عدد الجمعيات المهنية في قطاع السمك على مستوى ولاية مراكش، تعليقكم على ذلك؟
بالتأكيد قمنا مؤخرا بتأسيس عدد من الجمعيات المهنية، ونحن ننسق فيما بيننا.
في البدء، قمنا بتأسيس جمعية خير لتجار السمك بالجملة والتقسيط بولاية مراكش، ولكن بحكم تزايد عدد التجار وتنامي عمليات البيع، ارتأينا تخفيف العبئ على هذه الجمعية وتأسيس كيانات جمعوية أخرى، حيث قمت بتأسيس جمعية الخير لبائعي السمك الأبيض، كما أنشأنا كذلك جمعية النور لبائعي السمك بالتقسيط، وذلك حتى نشتغل على كل فئة، لكن نحن نشتغل يدا في يد، تحت لواء الفيدرالية الوطنية لبائعي السمك بالأسواق، أو تحت لواء الكونفدرالية الوطنية لبائعي السمك بالموانئ؛ فالهدف واحد مهما تعددت الجمعيات.
س. نبذة عن رشيد الرخامي؟
رشيد الرخامي، هو من مواليد مدينة مراكش سنة 1973، متزوج، عضو غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة مراكش أسفي، نائب رئيس لجنة الإعلام والتواصل داخل الغرفة، ونائب مقرر لجنة النقل واللوجستيك والبنيات التحتية بذات الغرفة.
إلى جانب ذلك، تم انتخابي رئيسا للمرصد المغربي للمهنيين، وكذا أمين مال جمعية خير لتجار السمك بالجملة والتقسيط بولاية مراكش، رئيس جمعية الخير لبائعي ومهني السمك الأبيض بسوق السمك بمراكش، وعضو لجنة التنظيم لفريق الكوكب المراكشي لكرة القدم.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...