أكد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، على أن المنازعات الإدارية كلفت الدولة سنة 2023 ما يناهز 3.5 مليار درهم، مشددا على أن المجلس باشر تنزيل رؤيته الاستراتيجية لتجويد العمل القضائي في المنازعات الإدارية، وذلك انطلاقا من موقعه كشريك مؤسساتي في بناء دولة الحق.
وأوضح عبد النباوي، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للمناظرة الوطنية الأولى حول “تدبير منازعات الدولة والوقاية منها، مدخل لصون المشروعية واستقرار الاستثمار وترشيد النفقات العمومية”، أن من أبرز محاور هذه الرؤية التخصص القضائي في المادة الإدارية، من خلال دعم تكوين القضاة في هذا المجال الحيوي؛ وترشيد الآجال وتحقيق النجاعة في معالجة الملفات، بما لا يخل بضمانات المحاكمة العادلة؛ ونشر الاجتهادات القضائية النموذجية لإرساء الأمن القانوني وتوجيه الفاعلين الإداريين نحو أفضل الممارسات.
وسجل عبد النباوي، في كلمته التي تلاها بالنيابة عنه الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، منير المنتصر بالله، أنه “لا يمكن الحديث عن ترشيد منازعات الدولة دون التوقف عند أثر هذه المنازعات على الاستثمار”، لافتا إلى أن “عدم الاستقرار القانوني، وتعدد التأويلات، وطول أمد التقاضي، كلها عوامل تضعف من جاذبية المملكة أمام المستثمرين، خاصة في المشاريع الكبرى ذات الأثر الهيكلي”.
وعلى إثر ذلك، أكد المسؤول القضائي، على أن مشروع المخطط الاستراتيجي للوكالة القضائية للمملكة 2024-2028، يعد خطوة جريئة نحو عقلنة تدبير هذه المنازعات، حيث قال: “لمسنا فيه حرصا على الاستباق القانوني عبر خلية اليقظة القانونية؛ ورغبة في توحيد الرؤية القانونية بين مختلف القطاعات الحكومية؛ واهتماما بخلق قنوات فعالة للتواصل مع القضاء، في احترام تام لاستقلاله”.
وثمن في هذا الصدد، إحداث المنصة الرقمية “مواكبة” ومركز النداء القانوني، كأداتين عمليتين لتوفير الرأي القانوني قبل نشوء النزاع، بما يعكس تحولا نوعيا في منطق التدخل المؤسساتي من منطق الدفاع إلى منطق الوقاية.
وشدد المتحدث على أن منازعات الدولة أضحت اليوم أحد أبرز مظاهر التوتر القانوني والمؤسسي، “والتي تعكس في جزء منها اختلالات في التخطيط، أو ضعفا في المواكبة القانونية، أو نقصا في التنسيق بين الأجهزة المتدخلة”.
وأبرز عبد النباوي أن الأرقام تشير، حسب معطيات الوكالة القضائية للمملكة، إلى أن الدولة المغربية تعد طرفا في ما يناهز 60.000 قضية سنويا، تتعلق أغلبها بمنازعات مسؤولية، وعقود إدارية، وتنفيذ استثمارات أو منازعات الشغل.
وأضاف: “يكفي أن نعلم أن ثلثي هذه القضايا لا تصل إلى الوكالة القضائية إلا في مراحل متأخرة، مما يحرمها من ممارسة دورها الاستباقي ويؤدي إلى تحميل الدولة أعباء مالية ثقيلة..”.
وشدد على أنه “كان من الممكن تفادي نسبة كبيرة من هذه المنازعات عبر الوقاية القانونية، لاسيما وأن 70 بالمائة من المنازعات العقارية والإدارية تتعلق بعدم التطابق بين القرارات الإدارية والنصوص القانونية، مما يؤكد ضرورة تعزيز المواكبة القانونية للإدارات”.
وفي ظل ذلك، أشار إلى أن الرهان لم يعد فقط هو التدبير الدفاعي للمنازعات، بل أصبح من اللازم الانتقال إلى مرحلة جديدة قوامها الوقاية، والمواكبة القانونية، وإرساء ثقافة التوقع والتخطيط القانوني.
وفي هذا الباب، قال عبد النباوي إن “كل درهم يتم تجنبه عبر حل ودي أو استشارة مسبقة، هو درهم محفوظ يمكن أن يعاد توجيهه نحو الصحة أو التعليم أو البنية التحتية”، مشددا على أن المجلس يؤمن بأن القضاء ليس مجرد جهة لفصل النزاعات، بل هو شريك في بناء دولة القانون.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المناظرة، المنظمة من طرف وزارة الاقتصاد والمالية (الوكالة القضائية للمملكة)، بتنسيق مع شركائها، على مدى يومين، تروم الوصول إلى تصور موحد حول تدبير منازعات الدولة يسمح بالوقاية من مخاطره، وضمان تدبيرها التدبير الأمثل، وفق رؤية تقوم على اليقظة والاستباق ودعم القدرات.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...