مصطفى واعراب
في الجزائر اليوم هناك ثلاثة أطراف رئيسة بارزة، تتصارع على دفة قيادة سفينة البلاد التائهة وسط بحر متلاطم الأمواج. من جهة أولى، هناك الرئيس المدني “المنتخب” عبد المجيد تبون، الذي يحاول الصمود في وجه المؤسسة العسكرية. وفي جهة ثانية، نجد الجنرال السعيد شنقريحة الذي قادته صدفة عجيبة بعد وفاة سلفه الفريق قايد صالح إلى ترؤس قيادة المؤسسة العسكرية، التي يصعب عليه التحكم فيها وهو القادم من هوامش النواحي العسكرية. وفي جهة ثالثة، يوجد الحرس القديم ممثلا في الجنرالان المتقاعدان القويان توفيق (الرئيس الأسبق للمخابرات) وخالد نزار (وزير الدفاع الأسبق).
إن هذه الأجنحة الثلاثة للنظام الجزائري تتصارع، منذ قرابة العامين، حول من يمتلك أجهزة المخابرات الثلاثة (الداخلية والخارجية و”التقنية”)، التي كان نظام الرئيس بوتفليقة في أواخر عهده يهيئ لتوحيدها في إطار “وزارة منتدبة لدى رئاسة الجمهورية مكلفة بأمن الدولة”، اقتداء بالنموذج الصيني في هذا الباب. فالمعروف في الحالة الجزائرية أن من يتحكم في أجهزة المخابرات يتحكم في دفة قيادة البلاد، لأن المخابرات تلعب دورا مركزيا في تثبيت الحكم، إلى درجة أنها كانت أول ما سعى إلى التحكم فيه جميع رؤساء الجزائر السابقون عند وصولهم إلى الحكم.
لكن خارج هذه النقطة الخلافية المصيرية، تلتقي أجنحة الحكم الثلاثة تلك وتتفق حول عقيدة العداء المتطرف لعدو داخلي يتمثل في المعارضة (حراكا شعبيا وتنظيمات محظورة) وعدو آخر خارجي هو المغرب. ولهذا السبب دأب النظام الجزائري على مداراة تناقضاته الداخلية، بخلط الأوراق لشيطنة أعدائه في الداخل، من خلال ربط كل من الحراك الشعبي و”الحركة من أجل تقرير المصير في القبايل MAK” وحركة “رشاد” الإسلامية، بعدوه الخارجي المغرب. ويشتغل الإعلام الجزائري الواقع أغلبه تحت نفوذ أجنحة النظام الثلاثة المذكورة، على هذه الأسطوانة المشروخة على مدار الساعة إلى درجة أننا لاحظنا أنه حتى الأحزاب التي تسمي نفسها معارضة، باتت ترددها وتتبنى مضمونها دون أدنى تحفظ.
في ظل هذا الوضع السياسي المضطرب، ترفض الديبلوماسية المغربية ‒عن صواب‒الانجرار إلى لعبة ردود الأفعال، والارتكان إلى دور “المتهم” المضطر على الدوام إلى الإعلان عن نأيه بالنفس، عن صراع جزائري داخلي ليس له فيه لا ناقة ولا جمل. لكن المشكل أن الصمت المغربي لا يُؤخذ حكمةً من قبل النظام الجزائري المتعدد الرؤوس، بل يُقرأ ضعفا وقلة حيلة يتم الركوب عليها في كل مرة لاقتراف مزيد من التجاوزات!
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...