يمثل القطاع غير المهيكل إحدى أبرز الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية، نظرا لاتساعه الكبير وتأثيره العميق على النسيج الإنتاجي الوطني.
فبحسب معطيات رسمية، يضم هذا القطاع أزيد من مليوني وحدة، غالبيتها أنشطة فردية صغيرة تفتقر إلى التنظيم ولا تحقق قيمة مضافة عالية، ما يجعلها خارج دائرة المساهمة الفعلية في الاقتصاد الوطني.
وتكمن خطورة هذا القطاع في كونه يعمل خارج الإطار القانوني والضريبي، ما يؤدي إلى فقدان خزينة الدولة لعائدات مهمة، ويُضعف الحماية الاجتماعية للمشتغلين فيه، كما يعرقل جهود الدولة في التخطيط والاستثمار والتنمية المجالية المتوازنة، يقول يوسف الرميدي، الخبير في السياسات الاقتصادية والتنمية المجالية.
وقال في تصريحه للأنباء تيفي، إن “القطاع غير المهيكل يشكل اليوم أحد أعقد التحديات التي تواجه الاقتصاد المغربي، سواء من حيث الاتساع أو من حيث تداعياته على العدالة الجبائية والحماية الاجتماعية”.
وأشار الرميدي إلى أن الأرقام التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها الأخير “تعكس حجم الظاهرة بشكل مقلق، إذ أحصت نحو مليوني وحدة إنتاجية غير مهيكلة، تمثل أكثر من 85 في المئة منها أنشطة فردية صغيرة جداً، لا تحقق قيمة مضافة عالية وغالباً ما تشتغل خارج أي تغطية قانونية أو اجتماعية”.
وأوضح الخبير، أن “هذا الحجم الكبير من الوحدات الخارجة عن النظام الرسمي لا يهدد فقط التوازنات الاقتصادية، بل يخلق سوقاً موازية غير منضبطة تؤثر على تنافسية المقاولات المهيكلة وتُفقد الدولة موارد ضريبية مهمة”، مضيفاً أن “أي إصلاح لا يوازي بين التحفيز والمواكبة والعدالة المجالية، لن يفلح في جذب هذا القطاع إلى الاقتصاد المهيكل”.
وختم الرميدي بالتأكيد على ضرورة “إطلاق مقاربة شمولية، تقوم على تبسيط المساطر، وتوفير دعم تقني وتمويلي حقيقي، وربط الانخراط بمنافع اجتماعية مباشرة، حتى يشعر الفاعلون في القطاع غير المهيكل بأن ولوجهم المنظومة الرسمية ليس عبئاً بل فرصة للتطور والاستقرار”.
ورغم الإجراءات التي اتُخذت، مثل نظام “المقاول الذاتي” و”CPE”، لا يزال القطاع غير المهيكل يطرح تحديات هيكلية، بسبب محدودية انخراط المعنيين في هذه الآليات، وضعف جاذبيتها أحيانا، أو بسبب غياب المواكبة والدعم الكافي لتحويل هذه الأنشطة إلى مشاريع مقاولاتية مستدامة.
وتمتد تداعيات هذا الواقع إلى سوق الشغل، إذ يُبقي هذا القطاع شريحة واسعة من اليد العاملة في أوضاع هشة، بدون حماية اجتماعية أو تغطية صحية أو حقوق مهنية، ما يعمق الفوارق ويزيد من هشاشة النسيج الاقتصادي الوطني.
وأمام هذا الوضع، تؤكد الحكومة عزمها على إطلاق إصلاح شامل، يجمع بين التحفيز والهيكلة، عبر إجراءات ضريبية واجتماعية جديدة، وبرامج دعم موجهة، ومراسيم تنظيمية، بهدف تسهيل اندماج وحدات القطاع غير المهيكل في الدورة الاقتصادية الرسمية، وتعزيز العدالة المجالية والتشغيل المنتج، بما يضمن إرساء تنمية اقتصادية أكثر شمولاً واستدامة.
تصور حكومي في الطريق
كشف فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، أن الحكومة تعمل على بلورة تصور شامل لإصلاح القطاع غير المهيكل، الذي يُعد أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أن الخطوط العريضة لهذا الإصلاح ستُعرض على البرلمان بمناسبة تقديم حصيلة منتصف السنة المالية في يوليوز المقبل، على أن تشكّل جزءًا من مرتكزات قانون مالية 2026.
وشدّد لقجع في الجلسة الأخيرة لمجلس المستشارين على أن معالجة هذا الملف لا يمكن أن تتم بشكل معزول، بل تتطلب مقاربة متكاملة تُمكّن العاملين في هذا القطاع من الانتقال التدريجي نحو منظومة مقاولاتية مهيكلة، توفر لهم فرص النمو والانخراط الكامل في النسيج الاقتصادي الرسمي.
واستند المسؤول الحكومي إلى معطيات المندوبية السامية للتخطيط، التي أفادت بوجود أكثر من مليوني وحدة إنتاجية غير مهيكلة، أغلبيتها الساحقة عبارة عن أنشطة فردية صغيرة، تفتقر إلى قيمة مضافة ولا تصل إلى الحد الأدنى للضريبة على الدخل، وهو ما يُبرز حجم التحدي واتساع رقعة الاقتصاد غير المهيكل في البلاد.
وفي معرض حديثه عن الإجراءات السابقة، ذكّر لقجع بنظام “المقاول الذاتي” وآلية “CPE”، التي توحّد الأداءات الضريبية والاجتماعية، معتبراً أن هذه الآليات ساعدت في إدماج عدد من الفاعلين، لكنها تظل غير كافية، مما يستدعي توسيع التدخلات وابتكار حلول أكثر نجاعة.
كما أعلن لقجع أن الحكومة تستعد لإصدار مرسوم دعم جديد موجه إلى المقاولات الصغيرة جداً، يرتكز على حوافز في مجالات التشغيل والاستثمار والتوطين، إلى جانب مراعاة العدالة المجالية، مضيفًا أن هذا النص التنظيمي سيوفر قاعدة صلبة لتحفيز وحدات القطاع غير المهيكل على الاندماج الطوعي والمنظم في المنظومة الاقتصادية.
وأكد في ختام مداخلته أن “الطريق نحو هيكلة هذا القطاع طويلة، لكننا نسير بخطى واثقة لدمج أكبر عدد ممكن من الوحدات غير الرسمية، بهدف دعم التنمية الاقتصادية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي”.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...