محمد جسوس ظلمته كلمة “الضباع”، ولو كان حيا، فلربما تمنى لو يعود الزمن للوراء، حتى لا يقول في تلك المحاضرة كلمة “ضباع”
عبارة: إنهم بهذا سيخلقون جيلا من الضباع، لا تعبر عن مشروع جسوس السوسيولوجي، ولا حتى السياسي، وليس نبوءة مفكر.
هي عبارة عادية جدا، كان يمكن أن يقولها اي كان، دون أن تثير اي انتباه.
عبارة غاضبة، وفقط.
كان جسوس يتحدث عن سياسات التعليم، والبطالة، ومحاصرة العمل المدني والتثقيفي في دور الشباب، والتي تؤدي إلى إحباط الشباب، وبعدها ارتكانهم للامبالاة، والاستسلام، فقال ما معناه، إنهم يريدون خلق أجيال من الضباع، واستعمل حتى العبارة الدارجة “الضبوعا”.
هي نفسها دلالة الكلام حين يقال: كيكلخو بنادم، والتي نسمعها منذ سنوات بطرق مختلفة: غيرجعو بنادم غير حال فمو مثلا. أو ما بغاونا نقراو، ما بغاونا نوعاو، بنادم رجع مضبع..
حتى استعارة “الضبوعا” في صرخة جسوس، كانت من الحقل التداولي للمعرفة الشعبية لا العالمة (بنادم مضبع هو المستسلم، المتحكم فيه، غير الواعي ب”السحر” الواقع تحت تأثيره، ينفذ الأوامر بانصياع تام،،،،)
ولم ترد في اي من كتبه الثلاث، التي لم تكن لتصدر لولا إلحاح طلبته، كما لم ترد في اي من مقالاته، بل في محاضرة حزبية.
كان “خطأ” جسوس أنه لم يكن يكتب، (اعترف بذلك في آخر حياته)، ولذلك لم يتذكره كثيرون إلا بهذه العبارة الغاضبة (يقال إنها اقلقت الحسن الثاني، لأنه تعامل معها كاتهام للنظام)،
كان جسوس من أوائل من انفتح على السوسيولوجيا الأنكلسكسونية، وبعد أن كان أغلب الباحثين منجذبين لمشروعات باسكون والخطيبي وبودربالة الذين كانوا في دروسهم وابحاثهم مهمومين بنقد السوسيولوجيا الاستعمارية، جاء جسوس ليفتح افقا آخر، فانقسم الطلبة والباحثون بين التيارين، لتكون السبعينيات والثمانينيات مرحلة ذهبية في الدرس السوسيولوجي بالجامعة المغربية.
خلف باسكون والخطيبي ومن سار في ركابهما بعدهما كتبا وأبحاثا كثيرة، جعلت مشاريعهما أكثر وضوحا وخلودا، فيما ابتعاد جسوس عن الكتابة مفضلا عليها المحاضرات والدروس، وانشغاله بالعمل الحزبي، جعلنا لا نتذكر إلا عبارة قالها في لحظة انفعال: الضبوعة.
وليس جسوس بدعا في هذا الأمر، عديدون من الأساتذة الكبار في المغرب علما ومعرفة وبحثا كانوا مقلين في الكتابة.
الإحالة على “الضبوعا” في كل حديث عن جسوس، أو الإحالة على جسوس في كل حديث عن “الضبوعا”، يكاد يكون تمييعا واختزالا مخلا بإرث الرجل المعرفي، والسياسي كذلك.
والله اعلم.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...