أكد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، التزام المملكة الراسخ بتعزيز حقوق الإنسان، سواء على المستوى الوطني أو من خلال انخراطها الفعّال في المبادرات الدولية ذات الصلة، مشددًا على أن المغرب يعتمد نهجًا شاملًا ومتوازنًا يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وترسيخ السلم والاستقرار على الصعيد العالمي.
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها الوزير وهبي اليوم الاثنين، أمام الجزء رفيع المستوى من الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة بمدينة جنيف السويسرية، حيث سلط الضوء على الإصلاحات الحقوقية التي تشهدها المملكة تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس.
واستعرض وزير العدل التفاعل الإيجابي للمغرب مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان، مشيرًا إلى الحوار التفاعلي الذي أجراه المغرب مع اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري في سبتمبر 2024، إضافة إلى تقديمه تقريرًا حول المراجعة الوطنية الشاملة لتطبيق إعلان ومنهاج عمل بيجين بعد 30 عامًا من اعتماده. كما يستعد المغرب حاليًا لإعداد التقرير المرحلي حول تنفيذ توصيات الجولة الرابعة من آلية الاستعراض الدوري الشامل.
وفي هذا السياق، شدد وهبي على أهمية التعاون مع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن المغرب يأمل في التوافق على زيارات متوازنة ومستقلة للوقوف على واقع حقوق الإنسان في البلاد، فضلًا عن دعم جهود المفوضية السامية لحقوق الإنسان في مواجهة التحديات الحقوقية العالمية.
وأكد الوزير أن المملكة تواصل ريادتها في تعزيز الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، مذكرًا بالمبادرة المشتركة التي أطلقها المغرب مع الأرجنتين وفرنسا وساموا لتعزيز التصديق على الاتفاقية الدولية للحماية من الاختفاء القسري، بالإضافة إلى انخراطه في المبادرة الدولية للتصديق على اتفاقية مناهضة التعذيب.
وفي خطوة أخرى تعزز موقعه الدولي، شارك المغرب، بالتنسيق مع البرتغال والباراغواي، في تأسيس الشبكة الدولية للآليات الوطنية لتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع في مجال حقوق الإنسان، والتي تم إطلاقها في مايو 2024. وقد تم انتخاب المغرب، ممثلًا في المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، منسقًا لهذه الشبكة، ما يعكس الثقة الدولية في قدراته الحقوقية.
كما استضاف المغرب النسخة العاشرة من “حوار جليون لحقوق الإنسان” في أكتوبر 2024، والتي انتهت باعتماد “الإطار التوجيهي لمراكش”، الرامي إلى تطوير آليات وطنية فعّالة في مجال حقوق الإنسان.
ولم تغفل كلمة وهبي استعراض الإصلاحات القانونية والتشريعية التي تشهدها المملكة لتعزيز حقوق الإنسان، وفي مقدمتها ورش مراجعة مدونة الأسرة، الذي يتم وفق مقاربة تشاركية تهدف إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على الهوية الوطنية والمواءمة مع التحولات الاجتماعية والالتزامات الدولية. وأشار الوزير إلى أن الهيئة المكلفة بالمراجعة قدمت أكثر من 100 مقترح تعديل لتعزيز المساواة بين الجنسين وضمان المصلحة الفضلى للطفل.
كما أشار إلى مشروع القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، الذي يسعى إلى تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وتحقيق التوازن بين سلطات الاتهام وحقوق باقي الأطراف، إلى جانب تقنين بدائل الاعتقال الاحتياطي وتقوية الأدوات الإلكترونية لمكافحة الجريمة.
وفي السياق ذاته، سلط وهبي الضوء على اعتماد قانون العقوبات البديلة، الذي يهدف إلى جعل العدالة الجنائية أكثر إنسانية، مؤكدًا تصويت المغرب لصالح قرار الأمم المتحدة بشأن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، في خطوة تعكس التزامه المتواصل بتعزيز الحقوق الأساسية.
وتطرق وزير العدل في كلمته أيضًا إلى الإصلاحات الاجتماعية الكبرى التي تبناها المغرب، وعلى رأسها تعميم نظام الضمان الاجتماعي ليشمل 24 مليون مستفيد، وتحقيق تغطية صحية شاملة لجميع المواطنين، بالإضافة إلى تعزيز البنية التحتية للقطاع الصحي، وهو ما انعكس إيجابيًا على موقع المغرب على الصعيد الدولي، حيث انتخب لرئاسة لجنة الروابط الاجتماعية التابعة لمنظمة الصحة العالمية في يناير 2024.
كما شدد وهبي على الجهود التي تبذلها المملكة في دعم الفئات الهشة، بما في ذلك تمكين النساء ضحايا العنف، وتعزيز الحماية الاجتماعية لكبار السن، والنهوض بحقوق الطفل، إلى جانب تحسين الحق في التعليم والسكن. هذه الجهود مكنت المغرب من التقدم بثلاث مراتب دفعة واحدة في مؤشر التنمية البشرية وفق تقرير التنمية البشرية 2023/2024 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
إلى جانب الإنجازات الحقوقية والتشريعية، عزز المغرب حضوره في الساحة الدولية من خلال انتخابه نائبًا لرئيس الإنتربول عن إفريقيا، فضلًا عن رئاسته المشتركة لاجتماع مجموعة العمل حول الاتجار بالبشر بالأمم المتحدة، ما يعكس ثقة المجتمع الدولي في جهوده لمكافحة الجريمة العابرة للحدود وتعزيز التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان.
وتأتي مشاركة المغرب في الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف لتؤكد التزامه الثابت بالنهوض بحقوق الإنسان وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال. وبينما تواصل المملكة تنفيذ إصلاحات عميقة على المستويين التشريعي والاجتماعي، فإن تفاعلها الإيجابي مع الآليات الأممية وانخراطها في المبادرات الدولية يؤكد موقعها كفاعل أساسي في تعزيز المنظومة الحقوقية العالمية.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...