عبد العالي بن مبارك بطل
في بعض الأحيان نسمع من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة الرسمية و المستقلة قرارات قضائية تقضي عند نطق بعض أحكامها وليس جميعها عبارة مع وقف التنفيذ، الأمر الذي يثير من خلالها تساؤلات عند البعض، حول ما هي الفائدة من الحكم طالما أنه لم ينفذ؟ أو لماذا لم يحكم المشرع أو القاضي بالبراءة طالما أنه لا توجد عقوبة ستطبق في حق الجاني؟ أو لماذا لم يصدر حكم مخفف بدلا من إيقاف التنفيذ؟.
والحقيقة أن الإجابة على هذه التساؤلات تحتم علينا معرفة أولا ما هو الحكم مع وقف التنفيذ؟ وهذا الأخير هو إجراء يهدف إلى إصلاح الجاني وتحديدا إذا كان مبتدئا، أو قضيته وجنحته ضئيلة الخطر بمعنى أن إيقاف التنفيذ يخضع لسلطة القاضي التقديرية، كما أن وقف التنفيذ معناه وقف تنفيذ العقوبة فقط، بمعنى أن الحكم يعتبر سابقة على الجاني ويسجل في صحيفته، لأن الهدف من إيقاف التنفيذ هو حماية الجاني وإصلاحه وتجنب اختلاطه مع عتاة المجرمين ومعتادي الإجرام، نظرا لتوفر المحكوم عليه على العديد من الشروط التي تخول له حق التخفيف أو الإيقاف ونذكر منها على سبيل المثال أنه مشهود له بحسن الأخلاق داخل الوسط الاجتماعي قبل ارتكاب الجريمة، أو نظرا لصغر سنه وماضيه الخالي من القضايا والمشاكل ومستواه التعليمي والثقافي، إضافة لثبات حسن نيته وسلوكه واعتذاره.
كما أن وقف التنفيذ لا يمكن تطبيقه في جميع أنواع العقوبات والحالات عدا الحالات الجنحية الخاصة والطفيفة غير المؤثرة على المجتمع أو أي فرد منه، وذلك حسب الفصل 55 من القانون الجنائي الذي يتضمن (في حالة الحكم بعقوبة الحبس أو الغرامة، في غير مواد المخالفات، إذا لم يكن قد سبق الحكم على المتهم بالحبس من أجل جناية أو جنحة عادية، يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذ تلك العقوبة على أن تعلل ذلك) كما أن الحكم يصبح كأن لم يكن بعد مضي خمس سنوات من اليوم الذي صار فيه الحكم حائزا لقوة الشيء المحكوم به، إذا لم يرتكب المحكوم عليه، خلال تلك الفترة جناية أو جنحة عادية حكم عليه من أجلها بالحبس أو بعقوبة أشد. وبعكس ذلك إذا ارتكب جناية أو جنحة داخل اجل خمس سنوات المنصوص عليه، فان الحكم بالحبس أو بعقوبة أشد بسبب تلك الجناية أو الجنحة ولو صدر الحكم بعد انصرام الأجل المذكور، يترتب عنه حتما بقوة القانون عندما يصير نهائيا إلغاء وقف التنفيذ الحكم وتنفذ العقوبة الأولى قبل العقوبة الثانية دون إدماج. وهذا حسب الفصل 56 من القانون الجنائي.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هل يمكن للحكم الموقوف التنفيذ فعلا أن يمسح من سجل مستقبل المحكوم عليه. فعلى الرغم من أن المشرع والقانون المغربي قد أنصف هذه الفئات من الناحية القانونية والاجتماعية، إلا أننا نجد أن رد الاعتبار قد لا يمحو القضية وحكمها من مستقبل الشخص بشكل نهائي وهذا ما قد يتجلى لنا من خلال قصة الأمير ﺍﻟﻤﺘﻮﻛﻞ وعبادة المخنث التي أحببت مشاركتكم إياها. لربما قد تكون لنا عبرة وثمرة إضافية لهذا الأمر والتعليل، حيث يحكى أن عبادة المخنث ارتكب جنحة ضرب إمام مسجد أمام الملء فتمت شكايته من طرف أمام المسجد لأمير المؤمنين المتوكل فلما عرضت القضية ومثل عبادة أمام الأمير المتوكل للنظر في قضيته والحكم فيها، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻟِﻌُﺒﺎﺩﺓ :ﺑﻠﻐﻨﻲ ﺃﻧﻚ ﺿﺮﺑﺖ ﺇﻣﺎﻡ ﻣﺴﺠﺪ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺄﺕِ ويكن لك عذرا قوياٍ ﺃﺩّﺑﺘُﻚ وعاقبتك . ﻗﺎﻝ : ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻣﺮﺭﺕُ ﺑﻤﺴﺠﺪ، ﻓﺄﻗﺎﻡ ﺍﻟﻤﺆﺫﻥ، ﻭﺩﺧﻠﻨﺎ ﻓﻲ صلاة الفجر، ﻓﺎﺑﺘﺪﺃ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻓﻘﺮﺃ ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ، ﻭﺍﻓﺘﺘﺢ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ، ﻓﻘﻠﺖ : ﻟﻌﻠﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﺮﺃ ﺁﻳﺎﺕٍ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ، ﻓﺎﻧﺘﻬﻰ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻛﻌﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ !! ، ﺛﻢ ﻗﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﻓﻠﻢ ﺃﺷﻚ ﻓﻲ ﺃﻧﻪ سيقرأ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﻓﺎﻓﺘﺘﺢ ﺳﻮﺭﺓ ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ ﺣﺘﻰ ﺃﺗﻤﻬﺎ ! ﺛﻢ ﺃﻗﺒﻞ ﺑﻮﺟﻬﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﺩﺕ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺗﻄﻠﻊ .ﻓﻘﺎﻝ : ﺃﻋﻴﺪﻭﺍ ﺻﻼﺗﻜﻢ – ﺭﺣﻤﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ – ، ﻓﺈﻧﻲ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﻋﻠﻰ ﻃﻬﺎﺭﺓ، ﻓﻘﻤﺖُ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺻﻔﻌﺘُﻪ ﻓﻀﺤﻚ ﺍﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، فأمر بإصدار حكم في حق عبادة مع وقف تنفيذه، نظرا لسجله ومكانته وعلمه وفعلته البسيطة شيئا ما، ولكن الغريب في الأمر أن هذه القضية لازلت مسجلة في صحيفة عبادة المخنث وتاريخه الحافل على مر العصور.
والسؤال الذي يطرح نفسه أخيرا هو ما فائدة الحكم الموقوف التنفيذ إذا كان يرسخ في صحيفة الشخص، ولم لا يعاد النظر فيه وتعويضه بالبراءة؟ وربما الأيام والاجتهادات القادمة ستكون كفيلة في ذلك.