يصنف العديد من فقهاء المسلمين الزلزال آية ربانية، والآية معنى ولغة تشتمل على آفاق واسعة جدا، فهي المعجزة، والعلامة، والعبرة، والأمر العجيب، والجماعة، والبرهان، والدليل. الزلازل إذن كآية ومقدرة يختص بها الرب تبين قوة الخالق الخارقة و توجه تحذيرًا قاطعا و تام الإقناع للبشر. وهي آية منذرة بالتأكيد القرآني في سورة الإسراء “وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا”. ويشتمل النص القرآني على عديد من الآيات تتطرق للزلازل : في سورة الأنعام مثلا ” قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض”. وفي سورة النحل “قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ألقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ”، وفي سورة العنكبوت ” فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ، وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” كما وردت الزلازل ضمن علامات الساعة، ونذائر يوم القيامة ، وذلك في سورة الزلزلة : {إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها،بأن ربك أوحى لها” واستعمل هذا اللفظ مجازًا للتعبير في النص القرآني عن الرهبة والقلق والرعب في سورة الأحزاب : “هُنَالِكَ ابتلي المؤمنون وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالًا شَدِيدًا”. وفي الحقيقة اعتادت غالبية الديانات على اعتماد الكوارث الطبيعية مدخلا لبناء العقائد الدينية للمجتمعات البشرية ، وفي هذا يقول ابن تيمية “الزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده، كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات، والحوادث لها أسباب وحكم،” وفي اعتبار هذا الفقيه كونها آية يخوف الله بها عباده، هي حكمة ربانية أيضا، وهذا يعني أن منطقها وسرها يغيب عن ذهن وعقل البشر. وعلينا الخضوع لها دون أي محاولة للفهم. ومهما كثرت وتضاربت آراء المسلمين في الموضوع، يجب الاعتراف بوجود منحى واسع الانتشار لديهم ليومنا هذا، اعتمد النص القراني غالبة ما ورد من عقاب الزلازل والتخويف الواردة في كتاب العهد القديم ، الذي يمثل مرجعية دينية مشتركة نسبيًا بين ما يتعارف عليه بالديانات السماوية الثلاث ، اليهودية والمسيحية والإسلام، لكن يبدو هنالك فرق فقهي في الموضوع بالنسبة للمسلمين بين مرحلتين ما قبل الدعوة المحمدية وما بعدها، فالزلازل والصواعق وغيرها كانت وسيلة انتقام لمن كَفَرَ بالله ، وجَحَد نِعْمَته، كالطوفان لقوم نوح ولفرعون وعاد وثمود..إلخ.. كانت الأمة التي ترفض منهج الله، وتكفر برسله، تعاقب فورًا بالصيحة، أو الرجفة، أو العذاب المباشر، لكن هذا المنحى انقطع برحمة من الخالق بعباده ومقدم النبي محمد، وجرت سنن الله في كونه من مثل الزلازل والخسوف والكسوف والبراكين منذ ذلك الحين بحكمها الخاصة الكونية، وضمنها الحكمة التي أرادها الله من تلك الظواهر والآيات، باعتبارها إنذارًا وتخويفًا لعباده، بانفصال تام عن آثام البشر الذي يسري عليها منطق الثواب والعقاب في اليوم الآخر. على الرغم من ذلك لدى الكثير من المسلمين قد تكون هذه الكوارث امتحانًا فرديا لديهم مثل بعض أهل الديانات الثلاث يتميز به المؤمن. وينبغي على المسلم حينها المسارعة إلى التوبة ، والإكثار من الذكر والاستغفار والصدقة.. والثابت أيضا عند المسلمين ، أن ضحايا الزلازل شهداء، وهي مرتبة عظيمة في التصور الديني الإسلامي. ويمكن أن نرى في هذا التصور العديد من التناقضات ،من بينها على الخصوص، استمرار ارتباط حكم وآيات الله في كونه بمسلك البشر في صفوف مجتمعاتهم، وتواصل العلاقة بين عالم المعتقدات والوقائع الفيزيائية للكون. و هذا حاصل بوضوح في العقيدة الإسلامية والمرجع في هذا يعتمد على النص القرآني أيضا، سورة النساء ” ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك” وفي هذا يقول علي ابن أبي طالب أيضا « ما وقع عذاب إلا بذنب، وما ارتفع إلا بتوبة”.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...